الباب الثاني في شرطه - وهو الحوز
وقد تقدم دليل اعتباره ، وقد ألحق بالهبة والصدقة والعارية والحبس بجامع المعروف ، وقال ( ش ) وأحمد : لا يشترط الحوز قياسا على البيع والإجارة ; ولأن عمر وعليا وفاطمة - رضي الله عنهم - لم يزالوا يلوا صدقاتهم ، والجواب عن الأول الفرق بأنه عقد عرا عن المعاوضة بالأدلة المتقدمة في الهبة .
فرع
في الكتاب : إذا والثلث يحمله ولم يخرجه من يده حتى مات نفذ ; لأنه وصية لقرينة المرض لا يشترط حوزها قبل الموت ، وإن حبس في صحته ما لا غلة له كالسلاح والخيل ولم يخرجها حتى مات بطلت لعدم الحوز في الحياة ، وإن أخرجها في وجهها وعادت إليه نفذت من رأس ماله لحصول الحوز قبل الموت ، فإن أخرج بعضها نفذ ولا يجوز من [ ص: 319 ] فعل الصحيح إلا ما حيز قبل الموت والفلس ، قال حبس نخل حائط على المساكين في مرضه ابن يونس : إذا تصدق على ولده الصغير فحوزه له حوز إلا أن يسكن في الدار أو جلها حتى مات فيبطل جميعها لعدم الحوز باستيفائه المنفعة ، ولو سكن أقل الدار الكبيرة وأكرى لهم باقيها نفذ الجميع ; لأن الأقل تبع للأكثر ، وقد حبس زيد بن ثابت داريهما وسكنا منزلا حتى ماتا فنفذ الجميع ، ولا تكفي الشهادة في المرض أنهم حازوا ، بل حتى تعاين الحوز ; لأن الاعتراف بالشيء إنما يقوم مقام الشيء في حق المقر خاصة ، وهو ها هنا متعلق بالوارث ، وكذلك الهبة والصدقة والرهون ، وقال وعبد الله بن عمر أشهب : إذا كان يخرج الأسلحة وغيرها ، ثم ترد إليه بعد الرجوع فيعلف الخيل من عنده وترم السلاح ، وينتفع بذلك في حوائجه ويعيره لإخوانه ثم يموت فهو ميراث ; لأنه حائز لمنافعه وليس تفريق الغلة كالسلاح ; لأن أصل النخل بيده ولم يخرج قط . قال : إن جعلها بيد غيره يحوزها ويدفع غلتها للواقف يلي تفريقها جاز ، وأباه ابن عبد الحكم ابن القاسم وأشهب لبقاء يده ، قال مالك : إن حبس على من يحوز لنفسه ولم يحز حتى مرض الواقف امتنع الحوز للحجر ، وإن مات فهو ميراث ، وكذلك سائر النحل ، قال مالك : إذا حبس دارا أو غيرها في السبيل وجعل رجلا يليها ، يكري ويرم وينفق في السبيل ، ثم أكراها من ذلك الرجل ونفذ الكراء ، هو ميراث ; لأن إجارته له استيلاء يمنع الحوز عنه ، وكذلك لو حبسها على ولده ثم أكراها منهم بكراء يدفعه إليهم ، أو يعمل في الحائط مساقاة فذلك يبطله ، قال مالك : فإن حبس فرسا على رجل في سبيل الله فأقره عنده ليعلفه له ، ويقوم عليه حتى يغزو ، وأشهد على ذلك وأمكنه من قبضه ، فتركه كذلك حتى مات المعطي نفذ ; لأنه كان وكيله فيده يده ، قال محمد : ولا يصلح هذا إلا في مثل الفرس والسلاح وما لا غلة له ، قال مالك : إذا حيز عنه بعد سكناه زمانا طويلا ثم رجع فسكنه بكراء نفذ إن كانت الحيازة [ ص: 320 ] قد ظهرت ، قال محمد : هذا إذا حاز المحبس عليه نفسه أو وكيله ، ولم يكن فيهم صغير ولا من لم يحو بعد ، أما من جعل ذلك بيد من يجوزه على المتصدق عليه حتى يقدم ، أو يكبر ، أو يولد ، أو كان بيده هو يحوزه لمن يجوز حوزه عليه ، ثم سكن قبل أن يكبر الصغير وقبل أن يجوز من ذكرنا بطلت ، وأقل الحيازة عند مالك سنة ، قال مالك : إن حبس على عبده حياته ، ثم على فلان فحازه العبد ومات السيد لا شيء للأجنبي ; لأن عبده لا يحوز عنه لقدرته على الانتزاع بخلاف الأجنبي ، وكذلك على ولده الصغير ثم على فلان ويحوزه لولده ، ثم يموت قبل بلوغ الابن الحوز ، بطل للأجنبي لعدم الحوز ، ويبقى للابن لحوز أبيه له ، بخلاف حبس عليك سنين ثم على فلان ، فحيازة الأول حيازة للثاني لخروجه عن يد الواقف ، وقال عبد الملك : إذا أعمر له داره وبعد الحيازة جعل مرجعها للآخر لا يكون حيازة الأول حيازة للثاني إن مات الواقف أو فلس ، بخلاف إذا كان ذلك في مدة حتى يكون قبض الأول قبضا للآخر ، قال مالك : حبس عليك حياتك ثم في السبيل فهو من رأس المال - إن حيز عنه - وقوله عليك حياتي ثم في السبيل هو من الثلث لجعله ذلك بعد الموت وعنه من رأس المال ; لأنه لا يرجع إليه ولا لورثته ، قال اللخمي : يختلف إذا لم يمكنه صرف الحبس فيما حبس حتى مات ، هل ينفذ أم لا ؟ والحبس أصناف : ما لا يحتاج إلى حيازة ولا تبقى يد المحبس عليه كالمساجد والقناطر والمواجل والآبار ، بل يكفي التخلية ، وما لا يصح بقاء يد الواقف عليه ويجب تحويزه ، وهو ما كان على معين إذا كان ينتفع بعينه ، كدار السكنى وعبد الخدمة ودابة الركوب ، وما يصح بقاء يده عليه إذا أنفذه في وجهه كالخيل يغزى عليها والسلاح والكتب يقرأ فيها إذا لم يكن الحبس على معين يصح عوده [ ص: 321 ] إليه بعد قبضه ، ويختلف إذا لم يأت وقت لجهاد وطلب الغزاة حتى مات هل يبطل أم لا ؟ ولو كان يركب الدابة إذا عادت إليه ليروضها لم يفسد حبسه ، أو يركبها كما يفعل الملاك بطل حبسه ، وقراءة الكتب إذا عادت إليه خفيف ، وما اختلف هل يصح بقاء يده عليه وهو ما على غير معين ، والمراد غلاته كالثمار والحوانيت وعبيد الخراج ، وهذا الصنف أربعة أصناف : فإن أخرجه من يده وأقام لحوزه وإأنفاذ غلاته غيره صح ، وإن بقي في يده ولم يعلم إنفاذ غلاته بطل ، وعن مالك : النفوذ وهو المختار ؛ لوجود الحوز بيد الغير ، فهذه أربعة أصناف .
فرع
في الجواهر : إذا صرف منفعته في مصلحتها ، ففي كون ذلك حوزا إن وليه ثالثها ، في الكتاب : الفرق بين إخراج الغلة كالثمرة وكراء الأرض فيبطل ، وبين إخراج العين نفسها كالفرس والسلاح يقاتل بهما ، ثم يرجعان إليه فيصح .
فرع
قال صاحب المقدمات : إن جبر عليه ولا يبطل بالتأخير ما لم يمت ، أو لتراخي المحبس عليه في القبض حتى يفوته المحبس . امتنع المحبس من الحوز
نظائر : قال العبدي : يتبع الأقل الأكثر في إحدى عشرة مسألة : إذا سكن أقل الحبس ، أو الهبة صح الجميع ، وإذا استويا صح في غير المسكون ، وإذا اجتمع الضأن والمعز أخرج من الأكثر في زكاة الإبل من غالب غنم البلد ؛ ضأنا كان أو معزا ، أو السقي والنضح يزكي على الغالب ، وإذا أدار بعض ماله حكم للغالب في زكاة التجارة وزكاة الفطر من غالب عيش البلد ، والبياض في [ ص: 322 ] المساقاة تبع ، إذا كان أقل ، وإذا نبت أكثر الغرس فللغارس الجميع ، وإذا نبت الأقل فلا شيء له فيهما ، وقيل له سهمه من الأقل ، وإذا أطعم أكثر الغرس سقط عليه العمل ، أو أقله فعليه العمل ، وقيل بينهما ، وإذا وجد المساقي أكثر الحائط سقط السقي ، أو أقله فعليه السقي ، وإذا أبر أكثر الحائط فالجميع للبائع ، وإذا استحق الأقل ، أو وجد به عيب فليس له رد ما استحق ولا التسليم ، بل يرجع بقدره .