[ ص: 33 ] باب الشهيد ومن يصلي عليه ويغسل
قال الشافعي رحمه الله تعالى : " والشهداء الذين عاشوا وأكلوا الطعام أو بقوا مدة ينقطع فيها الحرب وإن لم يطعموا كغيرهم من الموتى والذين قتلهم المشركون في المعترك يكفنون بثيابهم التي قتلوا بها إن شاء أولياؤهم وتنزع عنهم الخفاف والفراء والجلود وما لم يكن من عام لباس الناس ولا يغسلون ولا يصلى عليهم . وروي عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصل عليهم ولم يغسلهم ( قال ) وعمر شهيد غير أنه لما لم يقتل في المعترك غسل وصلي عليه ، والغسل والصلاة سنة لا يخرج منها إلا من أخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، ، ولا يصلى عليهم ، هذا قول الشهداء الذين قتلوا في معترك المشركين ليس من السنة أن يغسلوا الشافعي ومالك وأكثر أهل الحرمين .
وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري : يغسلون ويصلى عليهم كغيرهم من الموتى ، وهو قول ابن عمر .
وقال أبو حنيفة بقولنا في ترك غسلهم ، وبقول سعيد في إيجاب الصلاة عليهم ، استدلالا برواية مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة معهم ، حتى كبر على حمزة سبعين تكبيرة وروى صلى على قتلى أحد ، وكان يصلي على عشرة عشرة ، عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد بعد ثماني سنين . صلى على قتلى
وروى عبد الله بن شداد بن الهاد أن قال : ولأنه قتل ظلما فوجب أن يصلى عليه كمن قتل في غير المعترك ، قال : ولأن الصلاة على الميت استغفار له وترحم عليه ، والشهيد بذلك أولى . " أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه وآمن به ، وقال : إني مهاجر معك ، ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغنم فقسم له ، فقال : ما هذا ؟ فقال : هذا حظك من [ ص: 34 ] الغنيمة . فقال : ما على هذا بايعتك ، إنما بايعتك على أن أدمي هذا وأشار إلى حلقه ، ثم نهضوا فأصابه سهم في الموضع الذي أشار إليه فمات ، فكفنه وصلى عليه "
والدلالة على أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم قوله تعالى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون [ آل عمران : 69 ] فأخبر بحياتهم ، والحي لا يغسل ولا يصلى عليه ، وروى جابر بن عبد الله وأنس بن مالك أحد وقال : زملوهم بكلومهم ، فإنهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما ، اللون لون الدم والريح ريح المسك " . قال " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع قتلى جابر وأنس : ثم لم يغسلهم ولم يصل عليهم . وفي رواية بعضهم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحديث " " ولأنه ميت لا يجب غسله فوجب أن لا تجب الصلاة عليه كالسقط ، ولأن كل ما لا يلزم فعله في السقط لا يلزم فعله في الشهيد ، كالغسل فلا تجب الصلاة عليه كالسقط ، ولأنها صلاة قرنت بطهارة فوجب إذا سقط فرض الطهارة أن يسقط فرض الصلاة كالحائض . ولا تغسلوهم ولا تصلوا عليهم
وأما الجواب عن حديث ابن عباس فهو حديث ضعيف لا أصل له عند أصحاب الحديث ، لأنه رواية الحسن بن عمارة ، عن الحكم بن عقبة ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال أبو داود الطيالسي : قال لي شعبة : ألا ترى إلى هذا المجنون جرير بن حازم جاءني يسألني أن لا أتكلم في الحسن بن عمارة وهو يروي عن الحكم بن عيينة ، عن مقسم ، عن ابن عباس " أحد " . هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى حماد بن أبي سليمان حدثني عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن ابن مسعود أحد على أنه لو صح لكان الجواب عنه من وجهين : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى
أحدهما : ترجيح .
[ ص: 35 ] والثاني : استعمال ، فأما الترجيح فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أن راوي خبرنا شاهد الحال ، وهو جابر وأنس ، وراوي خبرهم ابن عباس ولم يشاهد الحال ، لأنه كان له عام أحد سنتان ، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين .
والثاني : متفق على استعمال بعضه وهو الصلاة ، وخبرهم مختلف في استعمال جميعه .
والثالث : أن خبرنا ناقل لما ثبت من حكم الصلاة ، وخبرهم مبق لحكم الصلاة ، فكان خبرنا أولى لما ذكرناه من الترجيح ، وأما الاستعمال فمن وجهين :
أحدهما : أن نحمل روايتهم على الدعاء لهم دون الصلاة التي يدخلها بإحرام ويخرج منها بسلام .
والثاني : أن نحمل ذلك على من مات منهم في غير المعترك .
وأما الجواب عن حديث عقبة بن عامر فمحمول على الدعاء لهم بإجماعنا وإياهم على أن الصلاة عليهم بعد ثمان سنين غير جائزة ، وأما حديث الأعرابي فلأنه قتل في غير المعترك ، وأما قياسهم فمنتقض بالذي إذا قتله قطاع الطريق هو مقتول ظلما ثم لا يصلى عليه ، على أن المعنى فيمن قتل في قلب المعترك أنه يغسل ، فلذلك صلى عليه ولما كان المقتول في المعترك لا يغسل فلذلك لم يصل عليه ، وأما قولهم إنها استغفار فيفسد بالسقط .