[ ص: 74 ] باب فرض الإبل السائمة
قال الشافعي رضي الله عنه : " أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر ، عن المثنى بن أنس أو ابن فلان بن أنس - شك الشافعي - عن أنس بن مالك قال : هذه الصدقة " " . بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، التي أمر الله جل وعز بها فمن سئلها على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه : في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل ، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وسبعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل
قال الماوردي : إنما بدأ الشافعي بزكاة الإبل لأمرين .
أحدهما : أنها غالب أموالهم ، فبدأ بها لعموم الحاجة إليها .
والثاني : أن أعداد نصبها أسنان الواجب فيها فصعب ضبطه ، فبدأ بذكره لتقع العناية بمعرفته ، ثم روى الشافعي ما قدره رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصبها ، وأبانه من فرضها ، وأثبته في صحيفة ، وأخذ بها عماله في حياته ، واقتدى بها خلفاؤه رضي الله عنهم من بعده صلى الله عليه وسلم ، وجملة من روى فريضة الصدقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مستوفاة أربعة : علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعبد الله بن عمر ، وعمرو بن حزم ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم ، فأخذ الشافعي برواية أنس وابن عمر ، دون حديث علي وعمرو بن حزم لثلاثة أشياء .
أحدها : أن حديث أنس وابن عمر أصح سندا من حديث علي وابن حزم ، ولأن حديث أنس وارد من طريقين .
[ ص: 75 ] أحدهما : ما رواه الشافعي في صدر الباب عن المثنى بن أنس عن أنس بن مالك
والثاني : رواه محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد الطويل عن أنس بن مالك ، وحديث ابن عمر رواه أيضا من طريقين ثابتين .
أحدهما : عن يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن ابن عمر .
والثاني : عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ، وأما حديث علي رضي الله عنه ، فوارد من طريقين ضعيفين .
أحدهما : عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه ، وكان عاصم ضعيفا ، والآخر الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه ، وكان الحارث ضعيفا ، وكان الشعبي إذا روى عن الحارث قال : أخبرني الحارث الأعور وكان والله كذابا . وحديث عمرو بن حزم وارد من طريقين غير ثابتين .
أحدهما : أبو بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده .
والثاني : يونس بن يزيد الأيلي قال : أقرأني سالم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي عند آل عمرو بن حزم في ذلك ، فلما كان حديث أنس وابن عمر أصح سندا من حديث علي عليه السلام وابن حزم ، كان الأخذ بهما ، والعمل عليهما أولى .
[ ص: 76 ] والثاني : أن حديث أنس وابن عمر عمل عليه إمامان ، أبو بكر وعمر كرم الله وجهيهما ، ولم يعمل على رواية علي عليه السلام وابن حزم أحد من الأئمة .
والثالث : أن في حديث علي عليه السلام ما اتفق على تركه ، وهو في خمس وعشرين : خمس شياه ، وحديث أنس وابن عمر مجمع على العمل به .
فإن قيل : لم ؛ من الصلاة ومواقيتها ، والصيام وأحكامه ، والحج ومناسكه ، ولا اقتصر على القول كما اقتصر على القول في غيره ؟ خص رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة بأن كتبها في صحيفة دون سائرها من الفروض
قيل : يحتمل أن يكون فعل ذلك ؛ لأن الزكاة ونصبها ومقاديرها الواجب فيها وأسنان المأخوذ منها ، لما طال وصعب احتاج إليه بعض الناس دون سائرهم في كل عام مرة ، بخلاف الفروض المترادفة على الكافة ، أودع ذلك كتابا ليكون أحفظ له وأضبط ، فكانت نسخة ذلك في قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام بالأمر بعده أبو بكر رضي الله عنه ، أخذها من قراب سيفه فكان يعمل عليها مدة حياته ، ثم مات رضي الله عنه فعمل بها عمر رضي الله عنه مدة حياته .