فصل : أول ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسخته أن كتب " بسم الله الرحمن الرحيم " فدل ذلك على  إثبات التسمية في ابتداء الكتب   ، ودل على نسخ ما كانت عليه الجاهلية ، من قولهم باسمك اللهم ، ودل على أن الابتداء بحمد الله تعالى ليس بواجب في ابتداء الكتب ، وأن معنى قوله صلى الله عليه وسلم "  كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أبتر     " يريد لمن يبدأ فيه بحمد الله سبحانه ، ثم قال " هذه فريضة الصدقة " ، فبدأ بإشارة التأنيث ، لأنه عطف عليها مؤنثا ، وقوله " فريضة " ، يعني نسخة فريضة الصدقة ، فحذف ذكر النسخة وأقام الفريضة مقامها ، فدل ذلك على أن اسم الصدقة والزكاة واحد ، بخلاف ما ذهب إليه  أبو حنيفة      . ثم قال : "  التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين     " ، يعني : التي قدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يقال : فرض القاضي النفقة أي قدرها ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ذلك : " التي أمر الله سبحانه بها " ، فكان في ذلك بيان واضح على أن الله سبحانه أوجبها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدرها ، ثم أكد ذلك ما روي عن  ضمام بن ثعلبة   أنه قام فقال : يا رسول الله ، الله أمرك أن تأخذ الصدقة من أغنيائنا فتردها في فقرائنا ؟ فقال : الله أمرني بذلك  وقوله " على المسلمين " ، دل على أن  الكفار لا زكاة عليهم   ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : "  فمن يسألها فليعطها     " ، يريد من سألكم الزكاة من الولاة على الوجه الذي أثبته ، وكان عدلا ، فأعطوه . ثم قال صلى الله عليه وسلم : "  ومن سئل فوقها فلا يعطه     " يريد من      [ ص: 77 ] سئل فوق الواجب عليه ، والحكم فيه أن ينظر ، فإن كان طالب الزيادة متأولا بطلبها ، كالمالكي الذي يرى أخذ الكبيرة من الصغار ، فلا يجوز أن يمنعه القدر الواجب ، ويكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم " فلا يعطه " راجعا إلى الزيادة ، وإن كان طالب الزيادة غير متأول فيها والزيادة لا وجه لها في الاجتهاد بقوله صلى الله عليه وسلم " فلا يعطه " فيه لأصحابنا جوابان :  
أحدهما : أنه راجع إلى الزيادة ، فعلى هذا يعطيه القدر الواجب عليه ، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :  من ولي عليكم فاسمعوا له وأطيعوا ، وإن كان عبدا حبشيا ما أقام فيكم كتاب الله سبحانه     .  
والجواب الثاني : أنه راجع إلى الجملة من الواجب والزيادة ، فعلى هذا لا يجوز أن يعطي الواجب ولا الزيادة ، لأنه بطلب الزيادة فاسق ، والفاسق لا ولاية له ، قال النبي صلى الله عليه وسلم "  أطيعوهم ما أطاعوا الله سبحانه ، فإذا عصوا الله تعالى فلا طاعة لهم عليكم     " ثم ابتدأ صلى الله عليه وسلم بذكر الإبل فقال : "  في أربعة وعشرين من الإبل فما دونها الغنم     " ، فكان هذا تفسيرا من وجه ، وإجمالا من وجه ، فالتفسير أنه لا يجب في أربعة وعشرين فما دونها إلا الغنم ، والإجمال أنه لا يدري قدر الواجب فيها ، ثم قال صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مفسرا لهذا الإجمال ، "  في كل خمس شاة     " فكان هذا بيانا لابتداء النصاب ، وقدر الواجب فيه .  
				
						
						
