فصل : قال الشافعي : . فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة
وهو صحيح .
وهو نص الحديث ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ، ففيها ثلاث بنات لبون ، وبه قال أبو ثور وأبو عبيد القاسم بن سلام .
وقال حماد بن أبي سليمان ، والحكم بن عيينة : لا اعتبار بالزيادة حتى تكون خمسا ، فتبلغ مائة وخمسا وعشرين ، فيكون فيها حقتان وبنت مخاض ، فالحقتان في مائة ، وبنت [ ص: 81 ] مخاض في خمسة وعشرين . وقال مالك في رواية القاسم عنه : لا اعتبار بالزيادة حتى تكون عشرا فتبلغ مائة وثلاثين ، فيكون فيها حقتان وبنت لبون .
وقال أبو حنيفة وصاحباه : يستأنف الفرض بعد مائة وعشرين في كل خمس شاة ، فيكون في مائة وخمس وعشرين حقتان وشاة ، وفي مائة وثلاثين حقتان وشاتان ، وفي مائة وخمس وثلاثين حقتان وثلاث شياه ، وفي مائة وأربعين حقتان وأربع شياه ، وفي مائة وخمس وأربعين حقتان وبنت مخاض ، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ، كقولنا ، ثم يستأنف فرض الشياه بعد ذلك .
واستدل على ذلك برواية زهير ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فإذا زادت الإبل على المائة وعشرين استؤنفت الفريضة ، في كل خمس شاة ولرواية أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه في الكتاب الذي كتبه إلى اليمن : وفيه العقل والأسنان ونصب الزكوات ، فإذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمس شاة ، قالوا : ولأن الشاة فرض يتكرر قبل المائة فوجب أن يتكرر بعدها كالحقاق وبنات اللبون ، قالوا : ولأنكم إذا أوجبتم بالواحدة الزائدة على المائة وعشرين ثلاث بنات لبون لم تنفكوا من مخالفة الخبر ومخالفة أصول الزكوات ، لأنكم إن قلتم : إن ثلاث بنات لبون تجب في مائة وإحدى وعشرين فقد خالفتم الخبر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " وأنتم أوجبتم في كل أربعين وثلث ، وإن قلتم : إن بنات اللبون مأخوذة من مائة وعشرين وأن الواحدة الزائدة وقص لا يتعلق بها الفرض ، خالفتم أصول الزكوات ؛ لأن كل مغير للفرض في أصول الزكوات يتعلق الفرض به ، ويكون الفرض مأخوذا منه ومن المزيد عليه ، كالسادس والثلاثين والسادس والأربعين والواحد الزائد على الستين ، والدلالة عليه رواية في كل أربعين بنت لبون أنس وابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ، والدلالة في هذا الخبر من وجهين : فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين ، فإذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة
أحدهما : قوله " حقتان إلى مائة وعشرين " ، وإلى غاية وحد فوجب أن يكون الحكم بعد الحد والغاية بخلافه قبله .
والثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : " " فاقتضى ظاهر هذا اللفظ أن يكون قليل الزيادة وكثيرها مغيرا للفرض على ما أبانه من وجوب بنت لبون في أربعين وحقة في خمسين ، فإن قيل : المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة " ؛ لأن حكم الزيادة على المائة والعشرين إذا بلغت أربعين ففيها بنت لبون ، وإذا بلغت خمسين ففيها حقة ، لأنه [ ص: 82 ] أراد بذلك جملتها من الزيادة ، والمزيد عليه أن يكون في كل أربعين منها بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ، فالجواب : أن هذا التأويل يبطل من وجهين : فإذا زادت على المائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة
أحدهما : انعقاد الإجماع بخلافه ، لأنه يقتضي أن يكون في مائة وستين حقتان وبنت لبون ، فالحقتان في مائة وعشرين ، وبنت اللبون في الأربعين الزائدة ، وفي المائة وسبعين ثلاث حقاق ، هذا قول قد أجمع المسلمون على خلافه ، فكان التأويل المؤدي إليه باطلا بالإجماع .
والثاني : أن قوله صلى الله عليه وسلم " فإذا زادت " شرط ، وقوله صلى الله عليه وسلم " " حكم ، والحكم راجع إلى الجملة عند وجود الشرط ، وليس له اختصاص ببعضها دون بعض ، ومما يؤيد ما ذكرناه رواية ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة يونس بن يزيد وسفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " فكان هذا نصا يبطل كل تأويل ، ومما يدل على ذلك من طريق القياس ، هو أن الشاة أحد طرفي الإيجاب في الإبل قبل المائة ، فوجب أن لا تكون بعد المائة كالجذعة ، ولأن بنت مخاض سن لا يتكرر قبل المائة فوجب أن لا يعود بعد المائة كالجذعة ، فثبت بهذين القياسين انتفاء وجوب الشاة وبنت المخاض بعد المائة ، ثم نقول بابتداء لما ذكرنا ، ولأنها نصب مختلفة الترتيب في استفتاح الفريضة ، فوجب أن لا يعود ترتيبها الأول فيما بعد كالغنم ، ولأنا وجدنا النصب التي قبل المائة أقرب إلى فرض الغنم من النصب التي بعد المائة ، فلما لم تعد الشاة إلى النصب التي هي أقرب إليها ، فالتي لا تعود إلى النصب التي هي أبعد منها أولى ، فأما الجواب على ما استدلوا به من الخبر فمن وجهين : فإذا زادت الإبل على المائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون
أحدهما : ترجيح .
والثاني : استعمال ، فأما الترجيح بينهما وبين ما روينا من الأخبار فمن أربعة أوجه :
أحدها : أن ما رويناه أصح إسنادا وأوثق رجالا .
والثاني : أن به عمل الإمامان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
والثالث : أن خبرنا متفق على استعمال بعضه ، فالمتفق على ما استعمل منه فيما دون المائة والعشرين ، والمختلف منه فيما زاد على ذلك ، وغيرهم متفق على ترك بعضه ، مختلف في استعمال بعضه ، فما اتفق على تركه منه : إيجاب خمس شياه ، وما اختلف في استعماله منه فما زاد على المائة وعشرين .
[ ص: 83 ] والرابع : أن خبرنا مسند ، وخبرهم يوقف مرة ويسند أخرى ، فكان خبرنا أولى . وأما الاستعمال فمن وجهين :
أحدهما : أن الذي رواه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " استؤنفت الفريضة " وقوله " في كل خمس شاة " من قول الراوي عن علي عليه السلام ظنا منه أنه أراد بالاستئناف ابتداء الفريضة فلا يكون له حكم ، وقوله " استؤنفت الفريضة " ، يريد به استئنافها على غير ما تقدم من ترتيبها ، وهو الذي أبانه بقوله صلى الله عليه وسلم : . في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة
والثاني : أن المراد بقوله استؤنفت الفريضة في كل خمس شاة فإسناد من غير أعيانها كأنه ملك مائة وعشرين ثم استأنفت في حولها خمسا أو عشرا من غير بناتها ، فعليه أن يستأنف بهذا الحول ويخرج من كل خمس شاة ، وهذا الاستعمال ذكره أبو حامد ، وفيه نظر ، وأما قياسهم فلا يصح ، لأنا نقول إن الشاة قد تؤخذ بعد المائة بين الستين ، على أنا عارضناهم بمثله .
وأما قولهم : إنكم لا تنفكون من مخالفة الخبر وأصول الزكاة : فالجواب أن مذهب الشافعي أن ثلاث بنات لبون مأخوذة من الكل ، أعني من المائة والإحدى والعشرين ، ولم يخالف الخبر لكن خصصناه ، ومذهب أبي سعيد الإصطخري ، أنها مأخوذة من مائة وعشرين ، والواحدة الزائدة عليها لا يتعلق الفرض عليها ، تمسكا بالخبر ، وليس في ذلك مخالفة للأصول ، لأنا قد وجدنا في الأصول من يغير فرض غيره ، ولا يغير فرض نفسه ، فمنهم الأخوان يغيران فرض الأم من الثلث إلى السدس ، ولا يغيران حال نفسيهما ، والعبد إذا وطئ حرة بنكاح حصنها وجعل فرضها الرجم ، ولم يغير فرض نفسه في الحد .