مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا تسلف الوالي لهم فهلك منه قبل دفعه إليهم وقد فرط أو لم يفرط فهو ضامن في ماله ؛ لأن فيهم أهل رشد لا يولى عليهم وليس كولي اليتيم الذي يأخذ له ما لا صلاح له إلا به .
قال الماوردي : وهذا كما قال .
إذا فله حالان : تعجل والي الزكاة زكاة رجل من ماله قبل حوله
أحدهما : أن يتعجلها باختياره ونظره من غير مسألة .
والثاني : أن يتعجلها بمسألة ، فإن تعجلها من غير مسألة بل غلب في اجتهاده ؛ لما رأى من حال المساكين أن يستسلف لهم من غير إذنهم رجاء لمصالحهم فهذه مسألة الكتاب ، ولا يخلو من ثلاثة أقسام : حال ما تعجله
أحدها : إما أن يكون قد فرقه في أهل السهمان عند أخذه .
والثاني : أن يكون باقيا في يده .
والثالث : أن يكون قد تلف في يده فأما إن كان قد فرقه في أهل السهمان ، فللدافع أعني رب المال ، وللمدفوع إليه أعني أهل السهمان عند حلول الحول أربعة أحوال :
أحدها : أن يكون الدافع ممن تجب عليه الزكاة ، والمدفوع إليه ممن يستحق الزكاة ، فإذا كان كذلك فقد وقعت الزكاة موقعها ، وأجزأت رب المال .
والحال الثانية : أن يكون الدافع ممن لا تجب عليه الزكاة لافتقاره والمدفوع إليه ممن [ ص: 163 ] لا يستحق الزكاة لاستغنائه عنه ، فعلى الوالي استرجاعها ممن دفعها إليه وردها على من أخذها منه .
والحالة الثالثة : أن يكون الدافع ممن تجب عليه الزكاة لبقاء ماله ، والمدفوع إليه ممن لا يستحق الزكاة والاستعانة فعلى الوالي استرجاعها ممن دفعها إليه ؛ لأنه لا يستحقها ولا يردها على من أخذها منه ، لأنها واجبة عليه ، لكن يفرقها في أهلها ومستحقيها .
والحالة الرابعة : أن يكون الدافع ممن لا تجب عليه الزكاة لافتقاره ، والمدفوع إليه ممن يستحق الزكاة لبقاء فقره ، فللدافع أن يرجع بها على الوالي ، ويرجع الوالي بها على من دفعها إليه ، وهذا إذا كان الوالي قد فرقها حين أخذها ، فأما إن كانت باقية في يده فعليه تفريقها في أهل السهمان ، إن كان رب المال ممن تجب عليه الزكاة ، وإن كان ممن لا تجب عليه الزكاة ردها عليه ، فأما إن تلفت في يده قبل الحول فعليه ضمانها ، فإن كان رب المال ممن تجب عليه الزكاة ضمن لأهل السهمان ، وإن كان رب المال ممن لا تجب عليه الزكاة ضمنها لرب المال ، وسواء تلفت بتفريط منه أو غير تفريط ، هذا مذهب الشافعي ، وإن ينظر في حال رب المال ، فإن كان من أهل وجوب الزكاة عليه فلا ضمان على الساعي لرب المال ، ولا لأرباب السهمان ؛ لأن يده بعد الحول يد المساكين ، وما تلف في يده من غير تفريط قبل صرفه إليهم لا يضمنه ، ولا يضمن لرب المال ، لأنه من أهل وجوب الزكاة عليه ، وإن تلفت في يد الساعي بعد الحول ، فإن لم يطالبه برده إليه بعد فقره حتى تلف فلا ضمان على الساعي لرب المال ؛ لأن الحول قد حال ، ورب المال من أهل وجوب الزكاة ، ولا يضمن للفقراء لأنه أمينهم ، وإن طالبه رب المال فلم يرده أو تعذر الرد حتى تلف في يد الساعي لزمه ضمانه لرب المال ، وقال حال الحول ورب المال من أهل وجوب الزكاة لكن الساعي لم يصرفها إلى مستحقيها حتى افتقر رب المال وتلفت الزكاة في يد الساعي أبو حنيفة : لا ضمان عليه إلا بتفريط في الأحوال كلها ، ويكون من مال أهل السهمان ، ويجزئ ذلك رب المال احتجاجا لشيئين .
أحدهما : أن يد الوالي كيد أهل السهمان بدليل أن الزكاة تسقط عن رب المال بدفعها إليه كما تسقط عنه بدفعها إليهم ، فلما لم يكن ما تلف في أيدي أهل السهمان مضمونا لم يكن ما تلف في يد الوالي مضمونا .
والثاني : أن الوالي في حق أهل السهمان بمنزلة الولي في حق اليتيم ، ثم كان ولي اليتيم إذا تعجل له حقا مؤجلا لم يضمنه ، كذلك والي أهل السهمان إذا تعجل لهم حقا مؤجلا لم يضمنه ، وهذا غلط ، ودليلنا شيئان :
[ ص: 164 ] أحدهما : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاكيا فقال صلى الله عليه وسلم : العباس فصدقته علي ومثلها " . فأخبر أنها في ضمانه وهو ممن لا يفرط ، فثبت أنها مضمونة عليه وإن لم يفرط . " أما
والثاني : وهو دليل الشافعي أن أهل السهمان أهل رشد لا يولى عليهم ، لأنهم يتصرفون فيما بأيديهم تصرف غيرهم ، والإمام والولي متصرف بإذنهم ، وليس كولي اليتيم الذي يتصرف بغير إذنه ولا يتفرق اليتيم في ماله إلا بإذنه ، فصار والي أهل السهمان كالوكيل يضمن ما أخذه بغير إذن ، فأما الجواب عن قوله إن يدهم كيده قيل صحيح ، لكن بعد الوجوب على ما أذن له ، فأما فيما قبل فلا ، فأما الجواب عن جمعه بين ولي اليتيم ووالي أهل السهمان فما ذكرنا يوجب تفريق جمعه بينهما ، يوضح ذلك أن اليتيم لو نهى وليه عن تعجيل حقه لم يلتفت إلى نهيه ، لأنه مولى عليه ، وليس كذلك أهل السهمان ، لأنهم غير مولى عليهم ، فثبت بذلك ما ذكرناه ، فهذا الكلام في أحد شطري المسألة ، وهو أن يعجلها من غير مسألة .