مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ، لم يكن له الرجوع به ؛ لأنه أعطى من ماله متطوعا لغير ثواب " . عجل رب المال زكاة مائتي درهم قبل الحول وهلك ماله قبل الحول فوجد عين ماله عند المعطى
قال الماوردي : وهذا كما قال ، وجملة ما يتعجله الفقراء ضربان :
أحدهما : أن يتعجله الوالي لهم ، فقوله في التعجيل مقبول عليهم سواء شرط التعجيل أم لا ؛ لأن الوالي أمين عليهم ، فكان قوله مقبولا عليهم .
والضرب الثاني : أن يتولى رب المال تعجيله إليهم ، فله حالان :
أحدهما : أن يشترط عليهم أنه تعجيل ، فيقول : هذا تعجيل زكاتي ، فمتى تلف ماله قبل الحول كان له الرجوع عليهم بما عجله ، سواء شرط عليهم الرجوع به عند تلف ماله أم لا ؛ لأن حكم التعجيل وموجبه الرجوع به عند تلف ماله ، فلم يفتقر إلى اشتراطه .
والثاني : أن لا يشترط عليهم أنه تعجيل ، فليس له الرجوع به إذا تلف ماله ، إلا أن يصدقه الفقير المدفوع إليه وأن ذلك تعجيل ، فيستحق الرجوع ، ولا يكون قول رب المال مقبولا عليه ؛ لأن ظاهر عطيته التمليك ، لأنه إن قال : هذه زكاتي فظاهر الزكاة ما وجبت ، وإن قال : صدقة تطوع . فبالدفع قد ملكت ، فإن أطلق فوجه إطلاقه إلى أحد هذين ، فإذا ثبت أن [ ص: 171 ] القول قول الفقير إن كان حيا أو قول وارثه إن كان ميتا ، فهل يقبل قوله بمجرده ، أو مع يمينه بالله تعالى ؟ على وجهين :
أحدهما : يقبل قوله ولا يمين عليه ؛ لأن ظاهر الدفع لا يوجب الرجوع ، فكان في ذلك تكذيب للدعوى ، فلم تجب فيها يمين .
والوجه الثاني : وبه قال أبو يحيى البلخي أن القول قوله مع يمينه ؛ لأن الدعوى محتملة وما في يده مدعى ، فافتقر إلى دفع الدعوى بيمين ، فعلى هذا يحلف هو أو وارثه على نفي العلم ، لا على البت ؛ لأنها يمين على فعل الغير ، فإذا ثبت أن القول قول المدفوع إليه إذا لم يشترط التعجيل ، إما مع يمينه في أحد الوجهين ، أو بلا يمين في الوجه الثاني ، فاختلفا في الشرط ، ، ففيه وجهان : فقال رب المال : شرطت التعجيل فلي الرجوع ، وقال المدفوع إليه : لم تشترط التعجيل فلا رجوع لك
أحدهما : القول قول رب المال مع يمينه وله الرجوع ؛ لأنه على أصل ملكه ما لم يقر بما يزيله عنه ، والمدفوع إليه منفرد بالملك مدع لما يزيله عنه فلم يقبل منه . والوجه الثاني : أن القول قول المدفوع إليه مع يمينه على البت ، وجها واحدا ؛ لأنه قد ملك بالأخذ ، وادعي عليه الاستحقاق ، فكان ذلك على أصل تملكه ما لم تقم بينة بخلافه .