مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ففيها قولان : أحدهما ، أن مبتاعها بالخيار بين أن يرد البيع بنقص الصدقة ، أو يجيز البيع ، ومن قال بهذا قال : فإن أعطى رب المال البائع المصدق ما وجب عليه فيها من ماشية غيرها فلا خيار للمبتاع ؛ لأنه لم ينقص من البيع شيء . والقول الثاني : أن البيع فاسد ؛ لأنه باع ما يملك وما لا يملك فلا يجوز إلا أن يجددا بيعا مستأنفا " . حال الحول عليها ثم بادل بها أو باعها
[ ص: 199 ] قال الماوردي : صورة هذه المسألة : في كأربعين شاة ، أو ثلاثين بقرة ، أو خمسة أوسق ، أو عشرين دينارا أو مائتي درهم . فهذا على ثلاثة أقسام : رجل معه نصاب باعه بعد وجوب زكاته
أحدها : أن يبيعها بعد أداء الزكاة عنها .
والثاني : أن يبيعها بعد اشتراط الزكاة منها .
والثالث : أن يبيع جميعها بيعا مطلقا ، فأما القسم الأول إذا باعها بعد أداء الزكاة عنها فالبيع في جميعها جائز ؛ لأنه قد أسقط حق المساكين منها ، وصار جميعها ملكا له خالصا .
والقسم الثاني : أن يبيعها ويشترط على المشتري أداء الزكاة منها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يبيعه الجميع ويشترط عليه دفع الزكاة ، فهذا بيع باطل ، وشرط باطل ؛ لأنه شرط على المشتري تحمل الزكاة عنه ، وذلك ينافي موجب العقد .
والضرب الثاني : أن يستثني قدر الزكاة من البيع ، ويوقع العقد على ما سوى قدر الزكاة ، فهذا على ضربين :
: أحدهما : أن يكون المبيع مما تتماثل أجزاؤه كالحبوب والدراهم والدنانير ، فهذا بيع جائز سواء كان قدر الزكاة معينا أو شايعا .
والضرب الثاني : أن يكون مما تتفاضل أعيانه ولا تتفاضل أجزاؤه كالماشية ، فذلك ضربان :
أحدهما : أن يعين ما استثناه للزكاة .
والثاني : أن لا يعين ، فإن عين قدر الزكاة منها وقال : قد بعتك هذه الأربعين الشاة إلا هذه الشاة وأشار إليها فهذا بيع جائز لتميز المبيع من غيره ، وإن لم يعين قدر الزكاة بل قال بعتكها إلا شاة لم يشر إليها لم يخل حال الغنم من أحد أمرين : إما أن تكون مختلفة الأسنان أو متساوية ، فإن اختلفت الغنم فكان بعضها صغارا وبعضها كبارا فالبيع باطل ، للجهل بالمعقود عليه ، وإن تساوت الغنم في الأسنان وتقاربت في الأوصاف ، فكان جميعها كبارا أو صغارا ففي البيع وجهان :
أحدهما : أن البيع جائز لأنها إذا كانت بهذا الوصف شابهت الحبوب .
والثاني : وهو أظهر أن البيع باطل ؛ لأنها وإن تساوت في الأسنان فقد تختلف في السمن ، وليس كذلك الحبوب المتماثلة الأجزاء ، وهذان الوجهان مخرجان من اختلاف قولي الشافعي في جعل إبل الصدقة صداقا .
[ ص: 200 ] والقسم الثالث : أن يبيع جميعها بيعا مطلقا . فهل الأداء من غير ما استثنى فهي مسألة الكتاب ، وهي مبنية على أصلين ، كل أصل منهما على قولين :
أحد الأصلين اختلاف قول الشافعي في الزكاة ، هل تجب في الذمة أو في العين ؟
والأصل الثاني : اختلاف قول الشافعي في جواز ، فإذا تقرر هذان الأصلان فالمسألة تشتمل على فصلين : تفريق الصفقة إذا جمعت شيئين متغايرين حلالا وحراما ، أو ملكا ومغصوبا
أحدهما : قدر الزكاة .
والثاني : ما عدا قدر الزكاة ، فأما قدر الزكاة ففي بيعه قولان بناء على اختلاف قوله في الزكاة هل وجبت في الذمة أو في العين ؟
أحدهما : باطل إذا قيل : إنها وجبت في العين وجوب استحقاق .
والثاني : جائز إذا قيل : إنها وجبت في الذمة وجوبا لا تعلق للعين بها ، فإذا قيل بجواز البيع في قدر الزكاة فهو في الباقي أجوز ، وإذا قيل : ببطلان البيع في قدر الزكاة ، ففيما عدا قدر الزكاة قولان بناء على تفريق الصفقة .
أحدهما : جائز .
والثاني : باطل ، ولبطلانه علتان :
إحداهما : أن اللفظة جمعت حلالا وحراما ، فعلى هذا لا فرق بين أن يكون المبيع ماشية يتقسط الثمن على قيمتها ، أو حبوبا يتقدر الثمن على أجزائها .
والعلة الثانية : أنه باطل لجهالة الثمن ، فعلى هذا إن كانت ماشية يتقسط الثمن على قيمتها فالبيع باطل ، وإن كانت حبوبا يتقدر الثمن على أجزائها فالبيع جائز ؛ لأن من باع قفيزين أحدهما مملوك والآخر مغصوب بدرهمين ، فمعلوم أن ثمن المملوك درهم ، وليس فيه جهالة ، ولو باعه عبدين أحدهما مملوك والآخر مغصوب بألف درهم فثمن المملوك مجهول ؛ لأن الألف يتقسط على قيمتها ، فإذا قيل ببطلان البيع في الجميع ارتفع العقد وكان المبيع على ملك البائع ، وإذا قيل ببطلان البيع في قدر الزكاة ، وجواز البيع في الباقي ، فإذا اشترى بالخيار بين الإقامة والفسخ لدخول النقص وتفريق الصفقة ، فإن فسخ رجع المبيع إلى البائع والثمن إلى المشتري ، وإن أقام فهل يأخذ الباقي بجميع الثمن أو بحساب ما بقي وقسطه على قولين :
[ ص: 201 ] أحدهما : بجميع الثمن ، كمن ابتاع عبدا فقطعت يده قبل القبض ، فللمشتري أخذه بجميع الثمن ، وإلا فسخ .
والقول الثاني : له أن يأخذه بحساب ما بقي وقسطه من ثمنه ، كمن ابتاع قفيزين فتلف أحدهما أخذ الباقي بنصف الثمن ، وإذا قيل بجواز البيع في الجميع نظر فإن أخرج البائع الزكاة من ماله لزم البيع في الكل ، وإن لم يخرجها من ماله حتى أخذها الإمام من المال المبيع بطل البيع حينئذ في القدر المأخوذ ، واختلف أصحابنا فيما بقي فقال بعضهم يكون على قولين من تفريق الصفقة على ما مضى وهو مذهب أبي إسحاق : لأنه يجعل حدوث تفريق الصفقة بعد القبض كالمقترن بالعقد ، وهذا مذهب تفرد به ، وذهب سائر أصحابنا إلى أنه لا يجعل حدوث تفريق الصفقة بعد العقد كالمقترن بالعقد ، بل لا تفرق الصفقة في الحادث ، قولا واحدا لعدم العلتين في جواز بطلانه ، ثم على ما مضى .
وقال آخرون : بل البيع فيما بقي جائز قولا واحدا ، لأننا أبطلنا بيع ما بقي هناك ، إما لجهالة الثمن ، أو لأن اللفظة جمعت حلالان وحراما وهما معدودان في هذا الموضع : لأن العقد جمع حلالا كله ، والثمن في وقت العقد معلوم وإنما سقط بعضه .