مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " ولا يجزئ الطواف إلا بما تجزئ به الصلاة من الطهارة من الحدث وغسل النجس " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال :  الطهارة في الطواف   واجبة ، وهي شرط في صحة طهارة الأحداث وإزالة الأنجاس ، فإن طاف محدثا أو نجسا ، لم يجزه ، وبه قال  مالك   وأكثر الفقهاء . وقال  أبو حنيفة      : طهارة الحدث وإزالة النجس واجبة في الطواف ، وليست شرطا في صحته ، فإن طاف محدثا أو جنبا أو نجسا فإن كان  بمكة   أعاد طوافه ، وإن رجع إلى بلده أجزأ عن فرضه ، ولزمه دم لجبرانه ، وربما ارتاب أصحابه أن الطهارة ليست بواجبة ، ليسوغ لهم الاستدلال تعلقا بقوله تعالى :  وليطوفوا بالبيت العتيق      [ الحج : 29 ] ، واسم الطواف يتناوله وإن كان محدثا ، فوجب أن يتناول الاسم له محرما ، ولأنه ركن من أركان الحج ، فوجب أن لا تكون الطهارة من شرطه ، كالسعي والوقوف ، ولأنها عبادة ليس ترك الكلام      [ ص: 145 ] شرطا فيها ، فوجب أن لا تكون الطهارة شرطا فيها كالصوم طردا ، والصلاة عكسا ، ولأن للحج أركانا ومناسك ، وليست الطهارة واجبة في واحد منهما ، فوجب أن يكون الطواف لاحقا بأحدهما .  
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : رواية  عائشة  أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ ثم طاف     . وفعله في الحج بيان تؤخذ منه المناسك والأركان ، لقوله - صلى الله عليه وسلم  خذوا عني مناسككم  وروى  طاوس   عن  ابن عباس   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  الطواف  بالبيت   صلاة إلا أن الله تعالى قد أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق إلا بالخير     " . والدلالة فيه من وجهين :  
أحدهما : أنه سمى الطواف صلاة ، وهو لا يضع الأسماء اللغوية ، وإنما يكسبها أحكاما شرعية ، وإذا ثبت أنها في الشرع صلاة ، لم تجز إلا بطهارة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "  لا صلاة إلا بطهور     " .  
والثاني : أنه جعل الطواف صلاة ، واستثنى من أحكامها الكلام ، فلو كان الطواف صلاة في معنى دون معنى لم يكن للاستثناء حكم واحد من جملة أحكامها معنى ، ولأنها عبادة تجب فيها الطهارة ، فوجب أن لا يسقط فرضها بغير طهارة ، كالصلاة ، ولأن كل من لا يصح منه فعل الصلاة ، لا يصح منه فعل الطواف ، كالمحدث إذا كان مقيما  بمكة   ، ولأنه طهارة واجبة ، فوجب أن لا تجبر بدم ، كالطهارة للصلاة ، فأما الآية فلا يصح الاستدلال بها : لأن الطواف بغير طهارة مكروه ، والأمر لا يجوز أن يتناول المكروه ، على أنها مجملة أخذ بيانها من فعله صلى الله عليه وسلم ، وهو لم يطف إلا بطهارة وأما قياسهم على السعي والوقوف ، فالمعنى فيه أن الطهارة لما لم تكن واجبة في السعي والوقوف ، لم تكن شرطا في صحة السعي والوقوف ، ولما كانت الطهارة واجبة في الطواف ، كانت شرطا في صحة الطواف ، وبمثله يكون الجواب من قياسهم على الصيام في الطرد .  
وأما قولهم : إن الطواف لا يخلو أن يكون لاحقا بالأركان أو بالمناسك .  
قلنا : ليس بلاحق بواحد منهما ، لأن الطهارة تجب له ولا تجب لواحد منهما .  
				
						
						
