مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وليس على الحاج بعد فراغه من الرمي أيام منى إلا وداع البيت ، فيودع البيت ، ثم ينصرف إلى بلده ، والوداع الطواف بالبيت ويركع ركعتين بعده ، فإن لم يطف وانصرف فعليه دم لمساكين الحرم " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا فرغ الحاج من رميه وأكمل جميع حجه ، فإن كان مكيا ، أو كان من غير أهل مكة ، فأراد المقام بمكة ، فليس عليه طواف الوداع : لأنه غير مفارق ولا مودع لا يختلف فيه المذهب ، فأما إذا أراد الرجوع إلى بلده لرواية فمن السنة المندوبة أن يودع البيت ، ابن عباس قال : ولأنه لما كان من سنة القادم أن يطوف بالبيت تحية وتسليما ، اقتضى أن يكون من سنة الخارج أن يطوف بالبيت تحية وتوديعا ، وإذا كان هذا ثانيا فمن سنة العائد إلى بلده بعد فراغ حجه أن يودع البيت بالطواف ، سواء كان كان الناس في الموسم ينصرفون في كل وجه بلا وداع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا حتى يكون آخر عهده بالبيت " بمكة أو بمنى : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من النفر إلا بعد وداع البيت ونفر الحجيج من منى ، فدل على أن حال من هو بمكة ومنى سواء في وداع البيت ؛ لأنه من مسنونات الحج ، فإذا فرغ من جميع أشغاله بمكة ، ولم يبق له إلا المسير إلى بلده ، طاف بالبيت سبعا ، وصلى ركعتين في مقام إبراهيم ، فقد روي عن عبد الله أنه قال : إن الرجل إذا ودع البيت قام بين الباب والحجر ومد يده اليمنى إلى الباب ، واليسرى إلى الحجر ، وقال : اللهم أنا عبدك وابن عبدك حملتني دابتك وسيرتني في بلدك حتى أقدمتني حرمك وأمنك ، وقد رجوت بحسن ظني فيك أن تكون قد غفرت لي ، فإن كنت قد غفرت فازدد عني رضا وقدمني إليك زلفا ، وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري ، فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير راغب عنك ، ولا عن بيتك ولا مستبدل بك ولا ببيتك ، واحفظني عن يميني وعن شمالي ، ومن أمامي ومن خلفي حتى تقدمني ، فإذا أقدمتني فلا يحل لي مني ، واكفني مؤنتي ومؤنة عيالي أو مؤنة خلقك أجمعين ، فأنت أولى بذلك مني " . ويستحب أن يقول ذلك وينصرف غير معرج على شيء حتى يخرج من مكة ، فإن أقام بعد وداعه متشاغلا بأمره أعاد الوداع إلا أن يكون ذلك عملا يسيرا ، كتوديع صديق أو جمع رجل فلا يعيد الوداع ، قال الشافعي في الإملاء : صلاها ، ولم يعد الوداع . وإن أقيمت الصلاة بعد وداعه
وقال أبو حنيفة : لا يلزمه إعادة الوداع إذا طال مقامه بعد طواف الوداع .
ودليلنا هو أنه طواف للصدر والوداع ، فوجب إذا وجد قبل زمانه وزال عنه اسم موجبه أن لا يجزئه : لأنه لا يكون طواف صدر ولا وداع ؛ لوجوده قبل الصدر والوداع .