مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا بأس بنقد الثمن في بيع الخيار " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : يجوز . للمشتري أن يدفع الثمن في مدة الخيار إلى البائع ، وللبائع أن يدفع المبيع فيها إلى المشتري
وكره مالك دفع الثمن في مدة الخيار ، ولم يكره دفع المبيع ، لأن بالمشتري حاجة إلى تقليب المبيع ونظر عينيه .
وهذا خطأ : لأن تسليم الثمن وقبض المبيع من موجب العقد ، وما أوجبه العقد لم يمنع منه بعد العقد . وإذا صح جواز ذلك ، وقبض المشتري المبيع ، لم يكن ذلك قطعا لخيار البائع ، ولا يكون قبض البائع قطعا لخيار المشتري .
ويمنع البائع من التصرف في الثمن ، والمشتري من التصرف في المبيع حتى تنقضي مدة الخيار : لأن الخيار يوقع حجرا في التصرف .
فإن تم البيع ، استقر وجاز التصرف . وإن انفسخ البيع ، استرجع المشتري الثمن من البائع ، واسترجع البائع المبيع من المشتري .
[ ص: 64 ] فلو قال المشتري : لست أرد المبيع إلا بعد استرجاع الثمن ، وقال البائع : لست أرد الثمن إلا بعد استرجاع المبيع ، لم يكن لواحد منهما حبس شيء مما بيده ، ووجب لمن بدأ بالمطالبة أن يسترجع ما بيد صاحبه ، ثم يرد عليه ما بيده .
والفرق بين هذا ، حيث لم يكن لواحد منهما حبس ما بيده على استرجاع ما بيد صاحبه ، وبين أن يتمانعا القبض مع صحة العقد ، فيقول البائع : لا أسلم المبيع إلا بعد قبض الثمن ، ويقول المشتري : لا أدفع الثمن إلا بعد قبض المبيع ، فيكون لكل واحد منهما حبس ما بيده على قبض ما بيد صاحبه :
إن فسخ البيع قد رفع حكم العقد ، فكان التسليم لأجل اليد ، لا بالعقد ، واليد توجب الرد ، وليس كذلك إذا تمانعا مع بقاء العقد : لأن التسليم مستحق بالعقد ، والعقد وإن أوجب عليه تسليم ما بيده ، فقد أوجب له قبض ما في مقابلته ، فجاز أن يكون أحدهما محبوسا على قبض الآخر له كما في الموجبين .
فصل : فلو ، فعلى ضربين : تلف المبيع في يد المشتري قبل رده على البائع
أحدهما : أن يكون تلفه قبل الفسخ .
والثاني : أن يكون بعد الفسخ .
فإن كان تلفه قبل الفسخ في مدة الخيار ، فلا يخلو حال الخيار من أحد أمرين :
إما أن يكون خيار المجلس ، أو خيار الشرط .
وإن كان خيار المجلس ، فهو مضمون على المشتري بالقيمة دون الثمن على الأقاويل كلها ، لا يختلف فيه المذهب ، وسواء كان مما له مثل كالحنطة والشعير ، أو مما لا مثل له كالثياب والعبيد ، لأن ما له مثل ، إنما يضمن بالمثل دون القيمة إذا لم يكن مضمونا على وجه المعاوضة كالغصب ، فأما إذا كان مضمونا على وجه المعاوضة كالمقبوض للسوم أو بعقد بيع فاسد ، أو مفسوخ ، فإنه يضمن بالقيمة دون المثل .
وإن كان خيار شرط نظر .
فإن كان الخيار لهما أو للبائع وحده ، فهو مضمون على المشتري بالقيمة دون الثمن ، لا يختلف .
وإن كان الخيار للمشتري وحده دون البائع ، فإن قيل : لا يملك إلا بالعقد وتقضي الخيار ، أو هو موقوف مراعى ، فهو ضامن له بالقيمة دون الثمن .
وإن قيل : إنه قد ملك بنفس العقد ، فعلى وجهين :
أحدهما : - وهو ظاهر نصه في البيوع - أنه ضامن له بالقيمة دون الثمن : لأن البيع لم يتم .
[ ص: 65 ] والثاني : - وقد أشار إليه في كتاب الصداق - أنه ضامن له بالثمن المسمى دون القيمة : لأن ثبوت الخيار له وحده يجري مجرى خيار العيب ، وإذا تلف المبيع ، وقد ثبت فيه خيار العيب كان مضمونا بالثمن دون القيمة ، فكذلك في خيار الشرط .
فأما إذا كان تلفه في يد المشتري بعد الفسخ ، فلا يضمنه بالثمن ، لا يختلف ، لاستقرار الفسخ ، وإنما يضمنه بالقيمة .
فإن تلف قبل الطلب ، كان المشتري ضامنا للقيمة سواء كان مما له مثل أم لا ، لأنه مقبوض على وجه المعاوضة .
وإن تلف بعد طلب البائع وبيع المشتري :
فإن كان مما لا مثل له ، ضمنه بالقيمة في أكثر الأمرين .
وإن كان مما له مثل ، فعلى وجهين :
أحدهما : يضمنه بالقيمة أيضا : لأنه مقبوض على وجه المعاوضة .
والثاني : يضمنه بالمثل : لأنه لما منع من الرد بعد الفسخ والطلب ، صار غاصبا ، وخرج عن أن يكون معاوضا .