مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو راطل مائة دينار عتق مروانية ومائة دينار من ضرب مكروه بمائتي دينار من ضرب وسط خير من المكروه ودون المروانية لم يجز : لأني لم أر بين أحد ممن لقيت من أهل العلم اختلافا في أن ما جمعته الصفقة من عبد ودار أن الثمن مقسوم على كل واحد منهما بقدر قيمته من الثمن ، فكان قيمة الجيد من الذهب أكثر من الرديء ، والوسط أقل من الجيد ، . ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل "
قال الماوردي : وهذا كما قال . لا يجوز . بيع مائة دينار من جيد الدنانير ومائة دينار من رديء الدنانير ، بمائتي دينار من وسط الدنانير التي هي دون الجيد وفوق الرديء
وكذا لا يجوز ذهب جيد وذهب رديء بذهب جيد ، ولا بذهب رديء ، وكذا الفضة مثلها .
ولا يجوز بيع الدراهم الصحاح والدراهم الغلة ، بالدراهم الصحاح ولا بالغلة .
وقال أبو حنيفة بجواز هذا كله : احتجاجا بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل . والمماثلة في هذا موجودة .
قال : ولأنه لما جاز لتماثلها في الوزن مع تفاضلهما في القيمة ، فأولى أن يجوز بيع الذهب الجيد والذهب الرديء بالذهب الوسط لتماثلهما في الوزن ، وإن جاز أن يتفاضلان في القيمة . بيع الذهب الجيد بالذهب الرديء
قال : ولأن المماثلة معتبرة ، وليس يخلو أن تكون معتبرة من حيث القيمة ، أو من حيث الوزن . فلما بطل أن تكون معتبرة من جهة القيمة : لأنه لو باعه دينارا قيمته عشرون درهما بدينار قيمته عشرة دراهم جاز أن يتساوى الوزن مع تفاضل القيمة ، ولو باعه دينارا قيمته عشرون درهما بدينارين قيمتهما عشرون درهما ، لم يجز تفاضل الوزن مع تماثل القيمة .
[ ص: 144 ] ثبت أن المعتبر التماثل من جهة الوزن دون القيمة ، وقد تماثل الوزنان في الذهب الجيد والرديء بالذهب الوسط فوجب أن يجوز .
والدلالة عليه ما قدمناه معه في بيع مد عجوة ودرهم بمدي عجوة : لأن تلك أصل لهذه المسألة ، ثم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل . فاقتضى ذلك المماثلة في القدر والقيمة إلا ما خصه إجماع أو دليل . ولما ذكرناه من أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفين كان الثمن مقسطا على قيمتها دون عددهما .
فإذا باعه مائة دينار من ذهب جيد يساوي ألفي درهم ، ومائة دينار من ذهب رديء يساوي ألف درهم ، بمائتي دينار من ذهب وسط تساوي ثلاثة آلاف درهم ، كان مائة دينار من الذهب الوسط في مقابلة أقل من مائة دينار من الذهب الجيد ، والمائة الأخرى في مقابلة أكثر من مائة دينار من الذهب الرديء ، فأدى ذلك إلى التفاضل في بيع الذهب بالذهب ، وذلك حرام ، وكان هذا بخلاف ما لو باعه مائة دينار من ذهب جيد بمائة دينار من ذهب رديء من وجهين :
أحدهما : أن المقصود في بيع الجيد بالرديء مع تساوي القدر المسامحة دون المعاينة ، وليس كذلك إذا قابل نوعين .
والثاني : أن الصفقة في بيع الجيد بالرديء قابلت نوعا واحدا فقسط الثمن على الأجزاء لا على القيمة .
ألا ترى أنه إذا باع دينارا قيمته عشرة بدينار قيمته عشرون ، فنصف الدينار وإن كان قيمته خمسة في مقابلة نصف الدينار وإن كان قيمته عشرة .
وليس كذلك إذا كان مقابلا بنوعين : لأنه يؤدي إلى التفاضل على الوجه الذي بيناه ، فأما الجواب عن قوله : إن الاعتبار إما أن يكون بالمماثلة في القدر أو القيمة ، فلما بطل اعتبار المماثلة في القيمة ثبت اعتبار المماثلة في القدر .
فهو أن يقال : الاعتبار بالمماثلة في القدر ما لم يكن الثمن مقسطا على القيمة .
فأما إذا كان الثمن مقسطا على القيمة لاختلاف الأنواع فلا اعتبار بالمماثلة في القدر .
فصل : فأما إذا باعه مائة درهم صحاحا ومائة درهم غلة ، بمائة درهم صحاح ومائة غلة ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يختلف جوهر الصحاح من هذا العوض بالصحاح من هذا العوض ، أو جوهر الغلة من هذا العوض ، فيكون الصرف باطلا لما ذكرنا .
والثاني : ألا يختلف . فعلى وجهين :
[ ص: 145 ] أحدهما : جائز لتساوي العوضين .
والثاني : لا يجوز ، للتعليل المتقدم .
فصل : وعلى قياس ما ذكرنا ، لا يجوز ، لحديث بيع ذهب مع آخر من جوهر ، أو لؤلؤ ، أو سيف ، أو غير ذلك بذهب فضالة بن عبيد المقدم ذكره .
وقال أبو حنيفة : إن كان الذهب الذي مع الجوهر أقل من الذهب الذي هو الثمن جاز ، ليكون الفاضل من الذهب الثمن في مقابلة الجوهر .
وإن كانا مثلين لم يجز .
وقال مالك : إن كان الذهب الذي مع الجوهر أقل من ثلث الثمن جاز ، وإن كان الثلث فصاعدا لم يجز . وفيما ذكرنا دليل كاف .