مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ويخالف الثمار من الأعناب وغيرها النخل ، فتكون كل ثمرة خرجت بارزة وترى في أول ما تخرج كما ترى في آخره فهو في معنى ثمر النخل بارزا من الطلع ، فإذا باعه شجرا مثمرا فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع لأن الثمر فارق أن يكون مستودعا في الشجر كما يكون الحمل مستودعا في الأمة " .
قال الماوردي : وجملته أن النبات ضربان : شجر وزرع .
فأما : الشجر فهو ما كان على ساق فلا يخلو حال حمله من ثلاثة أقسام
أحدهما : أن يكون مقصوده الورق .
والثاني : أن يكون مقصوده الورد .
والثالث : أن يكون مقصوده الثمر .
فأما ما كان المقصود منه الورق فكالحنا والتوت .
فأما الحنا فإن ورقه يبدو بعد تفرع أغصانه من غير أن يكون في عقدة ينفتح عنها ، فإذا بدا ورقه بعد التفرع صار في حكم النخل المؤبر فيكون للبائع .
وأما شجر الفرصاد فنوعان :
[ ص: 168 ] نوع منه يعرف بالشامي يقصد منه ثمره دون ورقه فحكمه حكم ثمر الأشجار إذا طلع ، فلا اعتبار بظهور ورقه .
- ونوع منه يقصد منه ورقه دون ثمره ، وورقه يبدو في عقدة ثم ينفتح عنها ، فإن كان في عقدة فهو تبع لأصله ، وإن كان عقدة قد انشقت وظهر ورقها لم يتبع أصله ، وكان للبائع ، وكذا القول في كل ما قصد منه الورق .
وأما ما كان المقصود منه الورد فيتنوع نوعين :
- نوع منه يبدو بارزا كالياسمين ، فهذا إذا وجد الورق فيه لم يتبع أصله .
- ونوع منه يبدو مستجنا إما بعقد ينفتح عنها ، أو بغطاء ينكشف عنه كالورد المطلق ، فإن كان في كمامه لم يبرز فهو تبع لأصله ، وإن برز عما تحته لم يتبع أصله وكان للبائع .
وأما ما كان المقصود منه الثمر ، فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يبدوا بارزا منعقدا كالتين ، فهذا وجوده في شجره كالتأبير لا يتبع أصله ويكون للبائع .
والضرب الثاني : ما يبدو في كمام يتشقق عنه ، كالجوز عليه قشرتان :
إحداهما عليا تنشق عنه في شجره ، والثانية سفلى يؤخذ معها ويدخر بها ، فهذا في حكم طلع النخل ، فإذا كان في قشرته العليا فهو تبع لأصله ، ويكون للمشتري .
وإن انشقت عنه القشرة العليا ، وبرزت القشرة السفلى ، لم يتبع أصله وكان للبائع .
والضرب الثالث : ما يبدو وردا ونورا ، ثم ينعقد حبا كالتفاح والمشمش والرمان والسفرجل والكمثرى وما في معناه ، فإذا كان وردا ونورا ، فهو تبع لأصله ويكون للمشتري ، وإن انعقد وتساقط نوره لم يتبع أصله وكان للبائع ، وكذلك اللوز في معناه .
فأما الكرم فنوعان : منه ما يورد ثم ينعقد ، ومنه ما يبدو حبا منعقدا فيتعين كل واحد من النوعين بحكم ما ذكرنا من نظائره ، فهذا حكم الشجر وما في معناه .
فإن لم يكن شجر مثل بصل النرجس والزعفران إلا أنه يبقى سنين في موضعه فيكون كشجر الورد على ما ذكرنا .
وأما : الزرع فضربان
ضرب إذا حصد لم يبق له أصل يستخلف كالبر والشعير ، فهذا لا يتبع أصله إلا بالشرط ، ولا يجوز إفراده بالعقد إلا بشرط القطع .
وضرب آخر يجز مرارا ويستخلف كالعلف ، وهو القت ، وأنواع من البقول فيكون ما طلع منه وظهر للبائع لا يتبع الأصل ، وهل ينتظر بما طلع تناهي جذاذه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : ينتظر به تناهي جذاذه ، فإذا بلغ الحد الذي جرت العادة بجذاذه عليه فقد انتهى ملك البائع ، ويكون ما بعد تلك الجذة بكمالها للمشتري .
[ ص: 169 ] وهذا قول من زعم أن ما أطلع من ثمار النخل بعد العقد للبائع تبعا لما أطلع منها وأبر .
والوجه الثاني : أنه لا ينتظر به كمال جداده ، بل يكون للبائع ما ظهر منه وإن لم يستكمل ، ويؤمر بجداده وإن لم يستكمل ، ويكون الأصل الباقي وما استخلف طلوعه من بعد العقد تبعا للأصل . وهذا قول من زعم أن ما أطلع من ثمار النخل من بعد العقد يكون للمشتري ، ولا يكون تبعا لما أطلع فيه وأبر .