مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإن حدث عنده عيب كان له قيمة العيب الأول إلا أن يرضى البائع أن يقبلها ناقصة فيكون ذلك له إلا إن شاء المشتري حبسها ولا يرجع بشيء " .
قال الماوردي : وهذا كما قال :
إذا ، لم يكن له ردها بالعيب المتقدم ، وكان له أن يرجع بأرشه إلا أن يرضى البائع أن يقبلها معيبة ، فله ذلك ولا يلزمه دفع الأرش إلا أن يرضى المشتري بعيبها فيمسكها ، ولا يرجع بأرشها . وقال اشترى سلعة فحدث بها عنده عيب ، ثم وجد بها عيبا متقدما أبو ثور ، وحكاه عن الشافعي في القديم : إن للمشتري أن يرد السلعة بالعيب المتقدم ، وعليه أن يرد معها أرش العيب الحادث .
وقال مالك : إن كان البائع دلس العيب على المشتري كان للمشتري أن يردها بذلك العيب ، ولا يلزمه أرش العيب الحادث ، وإن لم يكن البائع دلس العيب على المشتري ، فللمشتري أن يرد عليه أرش العيب الحادث : استدلالا بأن لكل واحد منهما ظلامة يستحق استدراكها فللمشتري أن يستدرك ظلامة العيب المتقدم بالرد ، وللبائع أن يستدرك ظلامة العيب الحادث بالامتناع ، فلما لم يمكن استدراك الظلامتين وجب تقديم المشتري بها على البائع لأمرين :
أحدهما : أنه لم يكن منه تدليس وقد كان من البائع تدليس .
والثاني : أنه استحدث ملكه بالمعاوضة على حال السلامة ، والبائع متقدم الملك على حال المعاوضة ، ولأنه لما جاز في المصراة أن يرد مع حدوث النقص فيها بالحلاب إذا رد معها الصاع الذي هو أرش النقص ، لم يكن حدوث العيب في يد المشتري مانعا من الرد بما تقدم من العيب .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه هو أن العيب الحادث في يد المشتري قد يكون تارة عن جناية وتارة لحادث نزل به ، فإذا لم يرد المشتري مع العيب الحادث عن جنايته ، ولم يرد مع العيب الحادث بغير جنايته منه لحدوث النقص في الحالين ، ولأنه لما لم يلزم أن يقبله معيبا لأجل الضرر الداخل عليه : لأن لكل واحد منهما حقا في دفع الضرر عن نفسه .
[ ص: 258 ] فأما الجواب عن استدلالهم بتقديم المشتري لأجل أن البائع مدلس ، وأن المشتري معاوض فهو أن تدليس البائع لا يوجب عليه ضمان ما لم يدلسه ، والعيب الحادث ليس من تدليسه ، فلم يكن من ضمانه ، ومعاوضته المشتري لا تدفع من ضمان ما نقص في يده كما لا تدفع عنه ضمان ما نقص جنايته .
وأما الجواب عن المصراة فهو أن نقص التصرية حدث لاستعلام العيب ، فلم يمنع من الرد بالعيب وخالف ما سواه .