مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فما جاز أن يبيعه من ماله جاز أن يبيعه من مال عبده ، وما حرم من ذلك حرم من هذا ، فإن قال قائل : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( قال " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " الشافعي ) فدل على أن مال العبد لمالك العبد ، فالعبد لا يملك شيئا ، ولو كان اشترط ماله مجهولا وقد يكون دينا واشتراه بدين كان هذا بيع [ ص: 268 ] الغرر وشراء الدين بالدين ، فمعنى قوله على معنى ما حل ، كما أباح الله ورسوله البيع مطلقا على معنى ما يحل لا على ما يحرم ( قال " إلا أن يشترطه المبتاع " المزني ) قلت أنا : وقد كان الشافعي قال يجوز أن يشترط ماله ، وإن كان مجهولا : لأنه تبع له كما يجوز حمل الأمة تبعا لها ، وحقوق الدار تبعا لها ، ولا يجوز بيع الحمل دون أمه ، ولا حقوق الدار دونها ، ثم رجع عنه إلى ما قال في هذا الكتاب . ( قال المزني ) والذي رجع إليه أصح " .
قال الماوردي : وقد مضى القولان في ملك العبد إذا ملك ، ودللنا على أن أصح القولين ما قاله في الجديد : أنه لا يملك إذا ملك ، فإذا : باع السيد عبده وقد ملكه مالا ، لم يخل حال العقد من ثلاثة أقسام
أحدها : أن يشترطا إخراج ماله من العقد .
والثاني : أن يشترطا إدخال ماله في البيع .
والثالث : أن يطلقا .
فإن شرطا إخراج ماله خرج ولم يدخل في البيع على القولين معا ، وكذا لو أطلقا العقد فلم يدخل ماله العبد في البيع على كلا القولين ، بخلاف قول الحسن البصري : لقوله صلى الله عليه وسلم من أعتق عبدا فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وكذا لو أعتقه كان جميع ما ملكه السيد دون العبد على القولين جميعا ، وقال مالك : يكون ملكا للعبد دون السيد . وهذا خطأ : لقوله صلى الله عليه وسلم : " من أعتق عبدا وله مال فماله للمعتق " وهذا نص .
فأما إذا اشترطا دخول ماله في البيع فإن حكمه يختلف على اختلاف القولين ، فعلى قوله في الجديد : إن العبد لا يملك إذا ملك ، لا يصح اشتراط ماله حتى يسلم ماله من الجهالة والغرر والربا على الوجه الذي يصح أن يفرد بالعقد يصح أن يشترط تبعا للعبد ، فلو كان ماله غائبا أو مجهولا أو دينا ، والثمن دين أو ذهب ، والثمن ذهب أو فضة ، والثمن فضة لم يجز وكان البيع باطلا ، ولو كان ماله ثيابا حاضرة أو عروضا مشاهدة صح بيعه بالذهب والفضة ، ولو كان ماله ذهبا فبيع بالفضة ، أو فضة فبيع بالذهب ، كان هذا العقد قد جمع مبيعا وصرفا ، فيكون على قولين .
فأما على قوله في القديم أن العبد يملك إذا ملك فيجوز اشتراط ماله معا وإن كان غائبا أو مجهولا ، واختلف أصحابنا في تعليل جوازه على هذا القول مع الغرر والجهالة : فذهب أبو إسحاق المروزي إلى أن العلة فيه اشتراط المشتري له هو شرط لتبقية ماله عليه ومانع لانتزاع السيد ذلك من يده : لأنه لو لم يشترط لكان للسيد انتزاعه من يده ، كما كان للبائع انتزاعه من يده ، فلما شرطه كان الشرط استيفاء إكماله ومنعا للسيد من انتزاعه ثم يجوز للمشتري أن ينزع ماله من يده كما للبائع انتزاعه منه .
واستدل لصحة هذا التعليل بقوله صلى الله عليه وسلم : " فجعله للمبتاع بالشرط لا بالشراء ، ولو كان يصير له بالشراء لقال : فماله للبائع إلا أن يشتريه المبتاع ، فعلى هذا التعليل لا يكون مال العبد مبيعا منه ، فيصح المبيع وإن كان المال دينا أو غائبا أو [ ص: 269 ] مجهولا أو مفضيا إلى الربا أو كان مستعارا ، حتى لو كان مال السيد ألفي درهم وقد اشتراه بألف درهم صح الشراء ، وكان للمشتري أن ينزع الألفين من يده ، ويدفع إحداهما في ثمنه ، ويحصل له ألف وعبد بغير شيء دفعه من ماله . " فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع
وذهب أبو سعيد الإصطخري إلى أن تعليله وجوازه كون المال تبعا له ، فصحت الجهالة فيه ، وإن كان مبيعا معه ، كما يجوز البيع مع الجهالة بتوابع المبيع في الحمل واللبن وحقوق الدار والأرض ، ولو أفرد بالعقد لم يصح البيع مع الجهالة به ، كذا مال العبد يجوز بيعه تبعا للعبد ، ولو كان مجهولا ، ولا يصح بيعه مفردا حتى يكون معلوما ، فأما الربا فلا يصح العقد إلا مع سلامته منه : لأن الربا لا تصح إباحته في الشرع تبعا ، وتصح دخول الجهالة فيها تبعا ، فعلى هذا التعليل يجوز أن يشترط مال العبد وإن كان غائبا أو مجهولا : لجواز الجهالة في توابع العقد ، ولا يصح إذا كان ماله ألفي درهم أن يبتاعه بألف درهم ، ولا بألفي درهم : لأجل الربا الذي لا يحل في العتق قصدا ولا تبعا ، والله أعلم .