مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو مات المرتهن قبل القبض فللراهن تسليم الرهن إلى وارثه ومنعه " .
قال الماوردي : إذا مات الراهن أو المرتهن بعد عقد الرهن ، وقبل قبضه : فظاهر نصه هاهنا أن الرهن لا ينفسخ بموت المرتهن قبل القبض ، وظاهر نصه في موضع آخر : أن الرهن ينفسخ بموت الراهن قبل القبض ففسخ الرهن بموت الراهن ، ولم يفسخه بموت المرتهن . موت الراهن أو المرتهن بعد العقد وقبل القبض
فاختلف أصحابنا : فكان بعضهم ينقل جوابه من كل واحد من الموضعين إلى الآخر فيخرج ذلك على قولين :
أحدهما : أنه ينفسخ الرهن بموت الراهن والمرتهن جميعا ، لأن الرهن قبل القبض من العقود الجائزة ، والعقود الجائزة تنفسخ بالموت كالشركة والوكالات .
والقول الثاني : أنه لا ينفسخ بموت الراهن ، ولا بموت المرتهن ، لأنه وإن كان قبل القبض من العقود الجائزة فهو يفضي إلى اللزوم ، وما أفضى إلى اللزوم وإن كان جائزا لا ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار ، وهذا أصح القولين .
وقال آخرون من أصحابنا : ليست المسألة على قولين بل الكلام على ظاهره في الموضعين وهو أن ينفسخ الرهن بموت الراهن ، ولا ينفسخ بموت المرتهن .
والفرق بينهما : أن المرتهن هو صاحب الدين ، ومن له دين مؤجل فمات لم يحل بموته وكان دين المرتهن مؤجلا بعد موته كما كان مؤجلا قبل موته وكان الراهن المعقود فيه قبل موته باقيا على حاله بعد موته ، فلذلك لم ينفسخ بموته ، وليس كذلك الراهن : لأن الدين عليه ، فإن مات حل الدين بموته ، فاستحق مطالبة الورثة به ، فلم يكن لبقاء الرهن معنى ، كذلك الفسخ .
فصل : فإذا قلنا : إن الرهن قد انفسخ بموت الراهن أو المرتهن فإن كان غير مشروط في بيع فلا مقال .
[ ص: 17 ] وإن كان مشروطا في بيع كان البائع المرتهن أو وارثه بالخيار بين إمضاء البيع بلا رهن وبين فسخه .
فإن فهو مستأنف لعقده لفسخ العقد المتقدم وإن كان ممن يجوز أن يستأنف رهنه لجواز أمره وكمال تصرفه من غير أن يتعلق به حق الغرماء وأرباب الوصايا جاز أن يستأنفه بعقد جديد وقبض ، فإذا فعل ذلك فلا خيار للمرتهن البائع لحصول ما شرطه من الرهن . أحب ورثة الراهن إقباض الرهن للمرتهن ،
وفيه وجه آخر له الخيار في فسخ البيع وإن أجاب الورثة إلى إقباضه ، لأن فسخ الرهن قد أوجب له خيارا في البيع ، فلم يسقطه ما حدث من تطوع الوارث بالرهن ، فأما إن كان الوارث ممن لا يجوز أمره ، أو لم يجز للوارث ولا لوليه أن يستأنف عقد الرهن فيه وإقباضه ، ويكون المرتهن البائع بالخيار . تعلق بالرهن ديون أو وصايا
فصل : وإذا قيل : إن الرهن لا ينفسخ بموت الراهن ، ولا بموت المرتهن ، فعلى هذا لا يخلو إما أن يكون الميت هو الراهن ، أو المرتهن ، أو هما جميعا .
فإن فلا يخلو حال الرهن من أن يتعلق به ديون أو وصايا أو لا يتعلق به شيء من ذلك . كان الميت هو الراهن ،
فإن تعلق به ديون أو وصايا لم يجز لورثة الراهن أن يقبضوا الرهن للمرتهن ما لم توف حقوق أرباب الدين وأهل الوصايا ، ويكون المرتهن البائع بالخيار بين إمضاء البيع بلا رهن ، وبين فسخه إن كان الرهن مشروطا في بيع .
فلا يخلو حال الوارث من أحد أمرين : إما أن يكون ممن يجوز أمره لبلوغه ورشده ، أو يكون ممن لا يجوز أمره إما لصغره وإما لعدم رشده . وإن لم يتعلق بالرهن ديون ولا وصايا ،
فإن كان ممن يجوز أمره ، فهو بالخيار ، إن شاء أقبض المرتهن الرهن ، وإن شاء منعه ، لأنه لما كان الذي تولى العقد مخيرا فوارثه أولى أن يكون مخيرا .
فإذا ثبت أنه بالخيار بين إقباض الرهن وبين منعه ، فإن منعه فالمرتهن بالخيار إن كان الرهن مشروطا في بيع بين إمضاء البيع بلا رهن وبين فسخه .
فإن أقبضه الرهن فذلك له بالعقد المتقدم من غير أن يستأنف له عقدا جديدا لصحة العقد المتقدم وسواء كان للوارث الراهن حظ في إقباضه أم لا لجواز تصرفه في ماله كيف شاء .
[ ص: 18 ] فإذا قبض المرتهن الرهن ، فلا خيار له في البيع لا يختلف ، لأن ما شرطه في البيع من الرهن قد صار إليه بالعقد المتقدم .
وإن فلا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون له حظ في إقباض الرهن ، أو لا حظ له ، فإن لم يكن له حظ في إقباض الرهن لم يكن لوليه أن يتولى إقباض الرهن عنه ، ولا أن يسلمه إلى المرتهن لأن إقباض الرهن غير واجب عليه ، وليس للولي أن يفعل في مال من يلي عليه ما كان غير واجب إذا لم يكن فيه حظ له . كان الوارث ممن لا يجوز أمره لصغره ، أو لعدم رشده
فعلى هذا إن كان الرهن مشروطا في بيع فالمرتهن البائع بالخيار بين إمضاء البيع بلا رهن وبين فسخه .
على وجهين مضيا . وإن كان للوارث المولى عليه حظ في إقباض الرهن لأنه مشروط في بيع فيه فضل ، فهل يجوز لوليه أن يقبضه عنه أم لا ؟
أحدهما : ليس له ذلك لأنه يصير متطوعا في مال الوارث بإقباض ما لا يلزم ، فعلى هذا يكون المرتهن البائع بالخيار في البيع .
والوجه الثاني وهو أصح : يجوز أن يقبض الرهن عن الوارث لما له فيه من الحظ ، فعلى هذا إذا قبض المرتهن الرهن فلا خيار له في البيع .
فهذا الكلام في موت الراهن .
فصل : وإن كان الميت هو المرتهن فالراهن بالخيار في وإقباضهم إياه ، أو منعهم ، لأنه لما كان له الخيار مع المرتهن في حياته ، فأولى أن يكون له الخيار مع وارثه بعد وفاته . تسليم الرهن إلى ورثة المرتهن
فإن أقبضهم الرهن لم يحتج إلى تجديد عقد ، وأقبضهم إياه بالعقد المتقدم ، لأنه على حاله في الصحة ، فإذا قبضوا الرهن فلا خيار لهم في فسخ البيع بحصول الرهن للمرتهن في حياته .
وإن منعهم الرهن : فإن لم يكن مشروطا في بيع فلا خيار لهم ، والدين بلا رهن ، وإن كان مشروطا في بيع فلا يخلو حالهم من أحد أمرين :
إما أن يكونوا ممن يجوز أمرهم ، أو ممن لا يجوز أمرهم ، فإن كانوا ممن يجوز أمرهم لبلوغهم ورشدهم فهم بالخيار بين إمضاء البيع بلا رهن ، أو فسخه ، وسواء كان الحظ لهم في إمضائه أو فسخه لأن الفسخ حق لهم فلم يجبروا عليه مع جواز تصرفهم .
[ ص: 19 ] وإن كانوا ممن لا يجوز أمرهم لصغرهم ، وعدم رشدهم ، فإن لم يكن لهم حظ في إمضاء البيع بلا رهن ، فواجب على وليهم أن يفسخ البيع ، لأن في إمضائه بلا رهن تغرير بثمنه وإن كان لهم في إمضائه حظ لوفور الثمن ، فإن فعلى وليه أن يفسخ البيع أيضا ، وإن كان أمينا موسرا فعلى وجهين : كان الراهن المشتري معسرا أو كان غير أمين
أحدهما : يفسخ أيضا لجواز أن يتغير حاله .
والثاني : لا يفسخ لما فيه من وفور الحظ وأن العقد تم بغيره .
وهذان الوجهان مخرجان من الوجهين الماضيين في ولي ورثة الراهن هل يجوز له إقباض الرهن إذا كان في إقباضه حظ لهم أم لا ؟
فهذا الكلام في موت المرتهن .
فأما فإن الحكم في ورثة الراهن على ما مضى ، وفي ورثة المرتهن على ما مضى . إن مات الراهن والمرتهن جميعا ،
فأما فالرهن على حاله لا ينفسخ ، لأنه بعد القبض قد لزم ، والعقد اللازم لا ينفسخ بالموت . إن مات الراهن أو المرتهن بعد قبض الرهن ،