مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن أراد الراهن أن يحلف المرتهن أنه قبض ما كان أقر له بقبضه أحلفته " .
قال الماوردي : وصورتها : أن يقر الراهن والمرتهن بقبض الرهن ، فيصير مقبوضا بإقرارهما ثم فإن [ ص: 37 ] صدقه المرتهن أن القبض لم يحصل فلا قبض والرهن غير لازم والراهن فيما بعد بالخيار إن شاء أقبض الرهن وإن شاء منع . يرجع الراهن في إقراره ويدعي أنه كان قد أقر بتعليم الرهن على جهالة ،
وإن لم يصدقه المرتهن في رجوعه وادعى حصول القبض الذي حصل بإقراره ، فالقول قول المرتهن في حصول القبض ، ولا يقبل رجوع الراهن فيما تقدم من الإقرار ، لأنه قد حكم به عليه .
فهذا على ضربين : فإن سأل الراهن يمين المرتهن بالله أنه قبض الرهن
أحدهما : أن يكون الراهن الذي أقر بقبضه غائبا عنهما ، فلا بد من إحلاف المرتهن بالله أنه قد كان قبض الرهن ، لأنه إذا كان غائبا فإقرار الراهن إنما يكون في الغالب على قول وكيله أنه سلم الرهن ، ثم يعلم كذب الوكيل ، وأنه لم يكن سلم الرهن فيكون لما ادعاه ثانية من عدم القبض السابق بإقراره وجه ممكن ، فلذلك وجب أن يحلف له المرتهن ، فعلى هذا إن حلف المرتهن حكم له بالقبض وتمام الرهن ، وإن نكل ردت اليمين على الراهن ، فإن حلف حكم له بما ادعاه من عدم القبض ، وكان الرهن غير تام ، وله أن يرجع فيه إن شاءه ، وإن نكل سقطت دعواه ، وحكم بتمام الرهن .
والثاني : أن يكون الرهن المقر بقبضه حاضرا قبل حلف المتهم ، على وجهين :
أحدهما وهو قول ابن سريج وأبي علي بن خيران : أن يجب إحلاف المرتهن ، لأن إقرار الراهن يحتمل أن يكون في الحاضر عن قول وكيله ، كما يحتمل في الغائب ، فوجب أن يستوي حكم اليمين منهما .
والوجه الثاني وهو قول أبي إسحاق : لا يحلف المرتهن وإن حلف في الغائب : لأن الظاهر من أمر الحاضر أنه تولى تسليمه بنفسه فلم يجب برجوعه يمين على المرتهن مع تقدم إقراره ، وليس كذلك الغائب .
وهكذا لو كان الإقرار بمال ، أو قبض ثمن في مبيع ، ثم عاد المقر فقال : كان إقراري بالمال قبل ثبوته ، وإقراري بقبض الثمن قبل قبضه ، وسأل يمين المقر له كان على هذين الوجهين في : إحلاف المرتهن في الرهن الحاضر
أحدهما : أن يحلف المقر له ، وهو قول أبي العباس .
والثاني : لا يحلف وهو قول أبي إسحاق .
فصل : حكم عليه بالتسليم وتم الرهن ، فإن سأل إحلاف المرتهن على ذلك لم يجب إحلافه سواء كان الرهن حاضرا أو غائبا . إذا أنكر الراهن تسليم الرهن فشهد شاهدان على إقراره بتسليم الرهن
[ ص: 38 ] فإن قيل : ما الفرق بين أن يكون مقرا بتقدم التسليم ، فيسأل إحلاف المرتهن فيحلفونه ، وبين أن يكون منكرا فتقوم عليه البينة بإقراره ، ثم يسأل إحلاف المرتهن فلا يحلفونه ؟
قيل : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن في إحلاف المرتهن مع قيام البينة له جرحا للشهود ، وتعليلا لشهادتهم ، وليس كذلك في الإقرار .
والثاني : أنه مع الإنكار ليس بمستأنف لدعوى ، وإنما ينكر شيئا قامت به البينة عليه فلم يجب مع البينة يمين ، وليس كذلك في الإقرار ، لأنه معترف بتقدم الإقرار وهو مستأنف لدعوى ، فجاز أن يحلف المرتهن عنها .