فصل : في فروع الرهن يجوز أن سواء كانت المرهونة موزونة أو غير موزونة إذا كانت مشاهدة : لأن أخذ الحق منها ممكن ، وبيع الدراهم بالدنانير جزافا جائز . يرهن الدنانير في الدراهم والدراهم في الدنانير
فرع : ويجوز ، سواء كانت الدراهم أو الدنانير المرهونة جزافا أو موزونة : لأنه لما جاز أن يكون الرهن من غير جنس الحق كان الرهن من جنس الحق بالجواز أحق . رهن الدراهم في الدنانير والدنانير في الدنانير
فرع : لم يجزه ، لأن الدين ليس بعين فيمكن بيعها ، ولأن الرهن ليس بحوالة فيستحق المطالبة بها ، وما لا يمكن المطالبة به ولا استيفاء الحق منه فرهنه باطل . إذا رهنه بحقه دينا له على غيره
فرع : إذا مثل أن يكون له دراهم وعليه دنانير أو حنطة من سلم فيرهنه ما في ذمته من الحنطة بماله من الدراهم كان فاسدا لما ذكرنا من التعليل . رهنه بحقه دينا له في ذمته
فرع : إذا كان فاسدا : لأن السكنى بمضي مدته فاتت ، فلا يبقى رهن يمكن أن يستوفى منه الدين . رهنه بدينه سكنى دار مدة معلومة
فرع : إذا آجره دارا سنة جاز أن يأخذ بالأجرة رهنا قبل مضي السنة ، لأن الأجرة واجبة في الذمة .
فرع : إذا فهذا على ضربين : استأجر منه عملا معلوما أراد أن يأخذ بالعمل رهنا
أحدهما : أن تكون الإجارة معينة .
[ ص: 261 ] والثاني : أن تكون في الذمة ، فإن كانت الإجارة معينة وهو أن يستأجر في عينه لبناء دار ، أو لعمل معلوم ، فلا يجوز أن يأخذ به رهنا ، لأن المستحق عليه من العمل تعين عليه لا يقوم غيره مقامه فيه ، وما يتعلق بالأعيان فلا يجوز أخذ الرهن كالعواري والغصوب ، فإن كانت الإجارة في الذمة ، وهو أن يستأجر منه في ذمته بناء دار أو عمل معلوم فلا يخلو ذلك من أحد أمرين ، إما أن يكون قد دفع الأجرة إليه أو لم يدفعها ، فإن كان لم يدفع إليه الأجرة لم يجز أن يأخذ منه رضا ، لأن الرهن وثيقة من الحق المستحق ، والعمل قبل دفع الأجرة غير مستحق ، فإن كان قد دفع الأجرة إليه ففي جواز أخذ الرهن في العمل وجهان :
أحدهما : لا يجوز أخذ الرهن فيه ، لأن استيفاء العمل من الرهن غير ممكن .
والوجه الثاني : أن أخذ الرهن فيه جائز : لأنه حق مستقر في الذمة له قيمة يمكن استيفاؤها من الرهن فجاز فيه كالدين .
فصل آخر : إذا ضمن له ألفا واستقر ضمان الألف عليه جاز أن يعطيه بالألف التي ضمنها رهنا : لأنه حق مستقر .
فرع : ولو ضمنها بشرط أن يعطيه بها رهنا مثل أن كان في صحة الضمان وجهان : يقول ضمنت لك عن فلان ألفا على أنني أعطيك بها رهنا
أحدهما : أنه صحيح : لأنه رهن شرط مع وجوب الحق كالبيع ، فعلى هذا الضامن بالخيار بين إقباض الرهن ومنعه .
والوجه الثاني : الضمان فاسد : لأنه وثيقة فإذا شرط فيه الاستيثاق بالرهن صارت وثيقة الضمان واهية فبطلت والله أعلم .
فرع : فلو كان في صحة الرهن وجهان كما ذكرناه في الضمان ؛ لأن شرط الضمان في الرهن كشرط الرهن في الضمان ، أحد الوجهين : أن الرهن صحيح ، والمشروط ضمانه بالخيار بين أن يضمن أو يمتنع . أعطاه رهنا بألف على أن يضمن الألف فلان
والوجه الثاني : أن الرهن فاسد لوهاء الاستيثاق به عند شرط الضمان فيه .
فرع : ولو كانت عليه ألف فأعطاه بها رهنا وأقام له بها ضامنا جاز ، لأن الرهن وثيقة والضمان وثيقة ، فلم يمتنع اجتماعهما من حق واحد كاجتماع الشهادة والضمان ، فإذا حل الحق ففيه قولان حكاهما أبو حامد في جامعه أحدهما أن لصاحب الحق مطالبة الضامن به ، [ ص: 262 ] وليس له بيع الرهن إلا بعد استيفائه من الضمان ، لأن ما أمكن استيفاؤه من الحقوق من غير إزالة ملك وجب استيفاؤها من غير إزالة ملك .
والقول الثاني : أن لصاحب الحق بيع الرهن واستيفاء حقه من صلبه ، وليس له مطالبة الضامن به إلا بعد تعذر استيفائه من الرهن : لأن الرهن عين بيده أخذها لاستيفاء حقه ، والصحيح عندي غير هذين ، وأن صاحب الحق بالخيار في حقه بين مطالبة الضامن به وبين بيع الرهن فيه لأن ضمان الحق لا يمنع من مطالبة غيره به ، ومطالبة غيره به لا تمنع من مطالبة الضامن به ، ألا ترى أن من ولا تكون مطالبة أحدهما مانعا من مطالبة الآخر . له على رجل دين فضمنه ضامن فله مطالبة الضامن والمضمون عنه