[ ص: 265 ] فصل : ، فإذا سألوه الحجر عليه بدين لهم لم يجز أن يوقع الحجر عليه إلا بعد ثبوت ديونهم ، فإذا ثبت جواز الحجر بالفلس فلا يجوز للحاكم أن يبتدئه من غير سؤال الغرماء إما بإقراره ، وإما بقيام البينة عليه عند إنكاره ، فإذا ثبت ديون الغرماء وجب على الحاكم أن ينظر قدر ماله فإنه لا يخلو من أن يعجز عن دينه أو يكون فيه وفاء بدينه ، فإن عجز ماله عن ديونه وجب على الحاكم أن يحجر عليه في ماله ؛ سواء سأله جميع الغرماء أو بعضهم : لأن في تركه متصرفا في ماله إضاعة لديونهم وإبطالا لحقوقهم ، وأنه ربما عجل قضاء بعضهم وترك ديون الباقين تالفة فكان الحجر عليه أولى ليمتنع من التبذير ويصل جميع الغرماء إلى حقوقهم بالسواء ، وإن كان ماله يفي بديونه أو يزيد عليها لم يخل حاله من أحد أمرين : وثبوتها بأحد وجهين :
إما أن تظهر منه إمارات الإفلاس أو لا يظهر ، فإن لم يظهر منه إمارات الإفلاس - بل كان ماله يفي بديونه ويكتسب قدر نفقته ولم يكن مبذرا لماله - لم يجز الحجر عليه ؛ بل يأخذه الحاكم بقضاء ديونه ، فإن أبى حبسه بها إن سأل أربابها ، وإن ظهرت عليه إمارات الفلس وذلك يكون في أحد وجهين :
إما من عجز عن كسبه عن قدر حاجته ، وإما من تبذيره وإسرافه في نفقته ، فهل يستحق الحجر عليه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يحجر عليه الحاكم في ماله : لأن في تركه متصرفا فيه إضاعة له وإبطالا لحقوق غرمائه ، ويستدل قائل هذا الوجه لذلك من مذهب الشافعي بقوله في اختلاف المتبايعين : إذا قال كل واحد منهما : لا أدفع حتى أقبض أنه يجبر البائع على تسليم السلعة ويجبر المشتري على دفع الثمن ، فإن كان ماله غائبا حجر عليه في السلعة وفي جميع ماله ، فقد أوقع الشافعي الحجر على من كان ماله يفي بدينه ويزيد .
والوجه الثاني : أنه لا يجوز أن يحجر عليه لقدرته على أداء دينه ، ولأن في إيقاع الحجر عليه تعجيل الحكم لعلة مظنونة غير متحققة ، وذلك غير جائز ، وما يخالف من تبذير ماله قد يمكن الاحتراز منه بأن يؤخذ بتعجيل القضاء .