مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وكذلك لو كانت له الأمة إن شاء والولد للغرماء ، وإن كانت حبلى كانت له حبلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الإبار كالولادة وإذا لم تؤبر فهي كالحامل لم تلد " . باعه أمة فولدت ثم أفلس
قال الماوردي : ولهذه المسألة مقدمة وهي : الحمل في بطن أمه هل يكون تبعا أو يأخذ من الثمن قسطا ؟ وفيه للشافعي قولان :
أحدهما : أنه يكون تبعا كأعضائها ، لأنها لو أعتقت سرى العتق إلى حملها كما يسري إلى جميع أعضائها .
والقول الثاني : أنه يأخذ من الثمن قسطا كاللبن : لأنه لو أعتق حملها لم يسر إليها عتقه ، ولو كان كالعضو منها عتقت بعتقه كما تعتق بعتق أعضائها ، فإذا ثبت هذا وكان المبيع أمة حصل منها حمل أو ولد لم يخل حالها من أربعة أقسام :
أحدها : أن تكون حاملا وقت العقد ووقت الفلس فإن كان الحمل الذي معها وقت الفلس هو الحمل الذي كان معها وقت البيع فللبائع أن يرجع بها حاملا على القولين معا : لأنه وإن كان تبعا فهو في الحالين تبع ، وإن كان يأخذ من الثمن قسطا فله في الحالين قسط ، وإن كان الحمل الذي معها وقت الفلس غير الحمل الذي كان معها وقت العقد ، فإن قيل إن الحمل يكون تبعا كان للبائع أن يرجع بها حاملا ولا حق له في الولد الذي كانت به وقت البيع حاملا ، وإن قيل إن الحمل يأخذ من الثمن قسطا فللبائع أن يرجع بها دون حملها الذي هو وقت الفلس معها ويرجع بالولد الذي وضعته وكانت حاملا به وقت بيعها .
والقسم الثاني : أن تكون حائلا وقت البيع وحاملا وقت الفلس وكان حملها ووضعها ما بين البيع والفلس ، فللبائع أن يرجع بها دون حملها على القولين معا : لأنه لم يأخذ من الثمن قسطا ولا كان في الحالين تبعا ، فإذا رجع البائع بالأمة لم يجز أن يفرق بينها وبين ولدها " لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه " ومن أصحابنا ممن جوز الفرقة بينهما للضرورة على مثل ما قال في الفرقة بينهما في الرهن ، وهذا ليس بصحيح لارتفاع الضرورة ، إذ قد يمكن الجمع بينهما ويصل كل واحد إلى حقه منهما فيقال للبائع تعطي ثمن الولد ؛ فإن دفع ثمن الولد أجبر المفلس والغرماء على قبول الثمن ودفع الولد ، وإن امتنع البائع أن يدفع ثمن الولد لم يمكن من الأم بعد استرجاعها وبيعت مع ولدها ، فما حصل من ثمنها دفع إلى البائع منه ما قابل الأم ذات ولد ودفع [ ص: 286 ] إلى غرماء المفلس ما قابل الولد إذا كان مع أمه ، فإن قيل : فهلا دفعتم إلى البائع ما قابل ثمن الأم مفردة غير ذات ولد كما دفعتم إلى مرتهن الأرض إذا غرسها الراهن بعد الرهن نخلا وبيعا معا ثمن الأرض بيضاء لا نخل فيها ؟ قلنا : الفرق بينهما أن الراهن لما كان متعديا بغرس النخل في الأرض المرهونة دفع ضرورة تعديه على المرتهن فدفع إليه ثمن أرض بيضاء ، ولما لم يكن من المشتري تعد في إيلاد الجارية لم يكن دفع الضرورة عن البائع بأولى من دفعها عن المشتري .
والقسم الثالث : أن تكون حاملا وقت البيع حائلا وقت الفلس ، فإن قلنا إن الحمل يكون تبعا رجع بالأم دون ولدها لأنه بعد الانفصال لا يكون تبعا ، وإن قلنا إن الحمل يأخذ من الثمن قسطا لم يخل حال الولد من أحد أمرين :
إما أن يكون باقيا أو تالفا ، فإن كان الولد باقيا رجع البائع بالأم مع ولدها ، وإن كان تالفا رجع بالأم وضرب مع الغرماء بما قابل الولد حملا في بطن أمه حين أقبض لأنه بعد الولادة أكثر ثمنا ، وكثرة ثمنه حادثة في ملك المشتري فلم يجز أن يقوم في حق البائع ، فتقوم الأم حاملا وقت القبض وحائلا وينظر ما بينهما فهو الذي يقابل ثمن الحمل ، فإن كان العشر ضرب مع الغرماء بعشر الثمن ، وإن كان الخمس ضرب بخمس الثمن .
والقسم الرابع : أن تكون حائلا وقت البيع حاملا وقت الفلس ، فإن قلنا إن الحمل يكون تبعا رجع البائع بالأم حاملا ولا حق للمشتري في حملها ، وإن قلنا إن الحمل يأخذ قسطا من الثمن كان له الرجوع بالأم دون الحمل وكان الحمل للمشتري المفلس ، ولا يلزم تسليمها إليه حاملا لحق المفلس في الحمل ، ولا يلزم إقرارها في يد المفلس أو غرمائه لحق البائع في الأم ، ولا يجوز أن يؤخذ من البائع قيمة الحمل ، لأن الحمل لا تصح المعاوضة عليه دون أمه ، وتوضع الأمة الحامل على يد عدل يتفقان عليه ، فإن اختلفا اختار الحاكم لهما عدلا ونفقتها على البائع مالك الأم دون المفلس مالك الحمل ، سواء قلنا إن نفقة الحامل تجب لها أو لحملها ، لأنها نفقة تجب بحق الملك فاختصت بالملك الظاهر المتحقق .