مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " مع علم صلاحها لقلة مخالطتها في البيع والشراء أبعد فتختبرها النساء وذوو المحارم بمثل ما وصفت ، فإذا أونس منها الرشد دفع إليها مالها تزوجت أم لم تتزوج ، كما يدفع إلى الغلام نكح أو لم ينكح ؛ لأن الله تبارك وتعالى سوى بينهما في دفع أموالهما إليهما بالبلوغ والرشد ولم يذكر تزويجا ، واحتج واختبار المرأة الشافعي في الحجر بعثمان وعلي والزبير رضي الله عنهم " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، واختبار الجارية في رشدها أصعب من اختبار الغلام : لأن حال الغلام أظهر وحال الجارية أخفى ، والذي يتولى اختبارها ذوو محارمها ونساء أهلها ، بخلاف الغلام الذي يجوز للولي أن يتولى اختباره وإن كان أجنبيا .
وحال النساء أيضا يختلف في البروز والخفي ، فيدفع إليها من مالها ما تتولى إنفاقه على نفسها وفي تدبير خدمها ومنزلها ، فإذا وجد منها القصد في جميعه وأصابت تدبير ما يتولاه النساء من أمور المنازل واستغزال الكسوات مع صلاح رشدها في الدين علم رشدها ووجب فك حجرها سواء تزوجت أو لم تتزوج .
[ ص: 353 ] وقال مالك : لا يجوز أن يفك حجرها حتى تتزوج ، ولا يجوز تصرفها بعد التزويج إلا أن تصير عجوزا معنسة إلا بإذن الزوج .
واستدل على بقاء الحجر عليها إلى أن تتزوج بقوله تعالى : حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم [ النساء : 6 ] .
وبلوغ النكاح هو التزويج فاقتضى أن يكون شرطا في فك الحجر .
واستدل على أنه لا يجوز تصرفها بغير إذن الزوج بقوله تعالى : الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] ، وبحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتصرف في مالها بعد أن ملك الزوج عصمتها إلا بإذنه ، وهذا نص ، ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ، ولأن مال الزوجة في الغالب مقصود في عقد نكاحها ؛ لأن العادة جارية بزيادة صداقها لكثرة مالها وقلته لقلة مالها ، وهو لا يملك ذلك عليها فاقتضى أن يملك فيه منعها . لا يحل لامرأة عطية شيء إلا بإذن زوجها
والدلالة على أنها تستحق فك الحجر بالبلوغ والرشد من غير تزويج قوله تعالى : حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم [ النساء : 6 ] ، وبلوغ النكاح إنما هو بلوغ زمانه كالغلام ، فلم يجز أن يضم إلى هذين الشرطين ثالث لما فيه من إسقاط فائدة الشرط والغاية .
ولأن ما انفك به الحجر بعد التزويج انفك به حجر الجارية كالمزوجة ، ولأن الجارية قبل التزويج أشح لما تحتاج إليه من مؤنة جهازها ونفقة نفسها ، وبعد التزويج أسمح لسقوط الجهاد عنها ووجوب النفقة على زوجها .
والغلام ضدها : لأنه قبل التزويج أسمح لقلة مئونته ، وبعد التزويج أشح لكثرة مئونته ، فلما جاز فك الحجر عن الغلام قبل التزويج في أسمح حاليه فأولى أن يفك حجر الجارية قبل التزويج في أشح حاليها .
والدلالة على جواز تصرفها بغير إذن الزوج ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على النساء في يوم عيد فقال : تصدقن ولو من حليكن ، فجعلت المرأة تتصدق بخاتمها وقرطها ، ولم يعتبر [ ص: 354 ] فيه إذن زوجها ، ولأن من استحق تسليم ماله إليه استحق جواز تصرفه فيه كالغلام : ولأن للزوجة حقا في يسار الزوج في زيادة النفقة ما ليس للزوج في يسار الزوجة ، فلما جاز تصرف الزوج بغير إذن الزوجة مع حقها في يساره فأولى أن يجوز تصرف الزوجة بغير إذن الزوج لسقوط حقه بيسارها ، فأما الجواب عن الآية فقد ذكرنا وجه الاستدلال منها فكان جوابا عنها .
وأما الجواب عن قوله تعالى : الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] فهو أن المراد به أنهم أهل قيام على نسائهم في تأديبهن على ما يجب عليهن .
وقد روى جرير بن حازم ، عن الحسن ، أن سبب ذلك أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص فنزلت الآية : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه [ طه : 114 ] .
ثم نزلت الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض [ النساء : 34 ] ، فلم يكن في الآية على ما استدل به مالك دليل .
وأما الجواب عن حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، فهو أنه ضعيف ، ولو صح لكان محمولا على المبذرة إذا ولي الزوج الحجر عليها .
وأما الجواب عن قوله : فهو أنه محمول على مال الزوج . لا يحل لامرأة عطية شيء إلا بإذن زوجها
وأما الجواب عن قوله : إن المهر يزيد بزيادة مالها وينقص بنقصانه ، فهو أنه وإن كان كذلك فلأجل ما يعود في الزوج من توفير المال بالإرث وسقوط نفقة أولاده عنه بالإعسار .