فصل : وأما الشرط الثاني : وهو ذكر : ما وكل فيه فينقسم ثلاثة أقسام
قسم يكون عاما في الأحوال كلها .
وقسم يكون خاصا في حال بعينها .
وقسم يكون عاما في وجه وخاصا في وجه .
فأما القسم الأول : وهو العام في الأحوال كلها فصورته أن أو قد وكلتك في فعل ما رأيته صلاحا في مالي . يقول : قد وكلتك في كل شيء أو قد وكلتك بكل قليل وكثير
فهذه وكالة باطلة للجهل بها ، ومضادة الاحتمال فيها لأنه قد يحتمل التوكيل في حفظ القليل والكثير ويحتمل بيع القليل والكثير وهما ضدان متباينان فبطلت الوكالة من أجله ، وأما القسم الثاني وهو الخاص في حال بعينها فصورته أن أو في شراء هذه الدار أو في اقتضاء هذا الدين أو في تثبيت هذه الوصية أو في مخاصمة هذا المدعي فتصح الوكالة خصوصا في المأذون فيه دون غيره ، وهذا ما وافق عليه يقول : قد وكلتك في بيع هذا العبد أبو حنيفة وإن خالف في الوصية فإن أبا حنيفة يجعل الوصي في شيء وصيا في كل شيء ، ولا يجعل الوكيل في شيء وكيلا في كل شيء ، وعند الشافعي أنهما سواء في أن عملهما مقصور على المأذون فيه دون غيره .
وأما القسم الثالث : وهو العام من وجه الخاص من وجه فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون خصوصه بجعل العموم معلوما فتصح فيه الوكالة كقوله لأن تخصيص البيع قد جعل المراد بعموم ماله معلوما . قد وكلتك في بيع كل قليل وكثير من مالي
والضرب الثاني : أن لا يصير العموم بما ذكره من التخصيص معلوما فالوكالة فيه باطلة كقوله لأن جنس ما يشتريه بماله لا يصير معلوما فبطلت الوكالة فيه . قد وكلتك في شرى ما رأيت بكل قليل وكثير من مالي
وهكذا لو كانت الوكالة فيه باطلة إلا أن يكون مقصوده طلب الربح دون التمليك فيجوز كالمضاربات ، فإن قيل : أليس لو دفع في المضاربة مالا يشتري به العامل ما رأى فيه صلاحا جاز ، فهلا جاز مثله في الوكالة ؟ قيل الفرق بينهما أن المقصود في المضاربة طلب الربح فلا يؤثر فيه اختلاف الأجناس فكان المقصود معلوما فصح . قال اشتر لي بهذا الألف ما رأيت من العروض أو ما علمت فيه حظا من الإبراء
والمقصود في الوكالة تملكك العين المشتراة ، وإطلاق ذلك مع اختلاف الأجناس لا يجعل المقصود منها معلوما [ ص: 499 ] فبطل ، فعلى هذه الأصول يكون جواب ما تضمنه الموكل فاعتبره بها يتقرر لكل الحكم فيه فعلى هذا لو لم يصح حتى يصفه بما يتميز للوكيل مراده في العبد من ذكر جنسه ونوعه ولا يحتاج إلى ذكر صفته المستحقة في السلم لأنه يضيق على الناس فلو قال له : قد وكلتك في شراء عبد لم يجز لاختلاف العبيد والخيل وجهل الوكيل بالمقصود منها وهكذا لو قال له قد وكلتك في شراء من رأيت من العبيد أو في شراء ما رأيت من الخيل لم يجز سواء ذكر العدد أو لم يذكر حتى يتميز المبيع والمشترى من غيره بصفة أو إشارة ، وقال بعض أصحابنا : يجوز أن يوكله في شراء عبد أو ثوب وإن لم يشر إلى صفاته اعتمادا على رأي وكيله الموكل ، ولا يجوز على المذهب الأول عقد الوكالة وبيان الوكيل حتى يقترن به على الفور والله أعلم بالصواب . قال : بع من رأيت من عبيدي أو بع ما رأيت من خيلي