مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " سواء يتحاصون معا " . والإقرار في الصحة ، والمرض
قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا أقر لرجل بدين في صحته وأقر لآخر بدين في مرضه فكلا الحقين لازم ، فإن اتسع ماله لقضائهما قضيا معا وإن ضاق ماله عنهما كان فيه سواء وتساوى غريم المريض وغريم الصحة فيقتسمان المال بالحصص . وقال أبو حنيفة : يقدم غريم الصحة على غريم المرض فإن لم يفضل عنه شيء تفرد بأخذ المال كله وإن فضل عنه فضلة أخذها غريم المرض بعد استيفاء غريم الصحة جميع دينه .
استدلالا بأن التصرف في حالة الصحة أوكد وأقوى من التصرف في حال المرض لنفوذ [ ص: 29 ] عطاياه في الصحة وردها في المرض فاقتضى أن يكون الإقرار في حالة الصحة مقدما على الإقرار في حال المرض ، ولأن ديون الغرماء تصير بالمرض متعلقة بعين المال لمنعه من هبته فصار إقراره في مرضه بعد تعلق ديون غرماء الصحة به فلم يجز أن يساويهم فيه ، ولأن المرض قد أوقع عليه في التصرف حجرا ، والإقرار قبل الحجر مقدما على الإقرار بعده .
ودليلنا هو أن . كل إقرار نفذ في جميع المال كان لزومه في المرض ، والصحة سواء
أصله إذا أقر بثمن سلعة في يده ، أو بمهر لزوجته ، ولأنه قول يلزم به الخروج من الحق فوجب أن يستوي في الصحة ، والمرض كالشهادة ، ولأن كل حق يستوي حكمه في الصحة ، والمرض إذا ثبت بالبينة وجب أن يستوي حكمه في الصحة ، والمرض إذا ثبت بالإقرار قياسا على الإقرار بالنسب ، ولأن كل حال يستوي فيهما ثبوت النسب بالبينة ، والإقرار وجب أن يستوي فيها ثبوت الدين بالبينة ، والإقرار كالصحة ، ولأن المرض لا يحدث حجرا في الإقرار بدلالة نفوذه فيما زاد على الثلث فوجب أن يستوي فيه حال الصحة ، والمرض .
فأما الجواب عن استدلالهم بقوة تصرفه في الصحة على تصرفه في المرض فمن وجهين :
أحدهما : فساده لما ثبت بالبينة حيث استوى فيه حال الصحة ، والمرض .
والثاني : أنه مسلم في العطايا التي للورثة الاعتراض عليها فيما دون الإقرار الذي لا اعتراض للورثة فيه .
فأما الجواب عن استدلالهم بأن الديون بالمرض تصير متعلقة بعين المال فهو أنه غير مسلم ؛ لأن تلف المال لا يبطل ديونه وثبوت غير ديونهم بالبينة لا يمنع من مشاركتهم وإنما تصير ديونهم بالموت متعلقة بعين المال دون المرض .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن المرض قد أوقع عليه حجرا فهو أن حجر المرض واقع عليه في غير الإقرار ، والحجر فيما سوى المرض واقع في الإقرار .