مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان كانت للأول ، ولا غرم عليه للثاني وكان الثاني خصما للأول " .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أو قال : غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيد لا بل لعمرو ، أو قال : غصبت هذه الدار من زيد وغصبها زيد من عمرو ، . قال : هذه الدار لزيد وغصبتها من عمرو
فالدار في هذه المسائل الأربع لزيد الأول المقر له بالملك ، أو بالغصب لأمرين :
أحدهما : تقدم الإقرار له ، والمنع من الرجوع فيه .
والثاني : أنها قد صارت للأول بالإقرار الأول وصار بالإقرار الثاني مقرا في الملك الأول فرد ، ولم يقبل .
[ ص: 39 ] وهل يلزمه غرم قيمتها للثاني بما عقبه من الإقرار له بالملك ، أو الغصب أم لا ؟
على قولين :
أحدهما : نقله المزني هاهنا من كتاب الإقرار ، والمواهب من الأم أن لا غرم عليه .
والقول الثاني : نص عليه الشافعي في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر - الذي لم ينقل به المزني شيئا - أن الغرم عليه واجب .
فإذا قيل بسقوط الغرم عنه فوجهه شيئان :
أحدهما : أن المقر قد فعل ما لزمه من الإقرار وإنما رفع الشرع حكمه بالأول فلم يلزمه بعد فعل الواجب غرم .
والثاني : أن عين الدار قائمة ، والقيمة مع وجودها غير مستحقة وإذا قيل بوجوب الغرم عليه فوجهه شيئان :
أحدهما : أنه بالإقرار الأول مفوت لها على الثاني بفعله فصار كالمستهلك فلزمه الغرم .
والثاني : أنه مقر للثاني بالغصب ، والغصب موجب لغرم القيمة عند تعذر العين وإن كانت قائمة ، كالعبد الآبق ، والمغصوب من الغاصب .
فإذا تقرر توجيه القولين فقد اختلف أصحابنا فقال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة لا فرق بين أن يسلمها المقر إلى الأول ، أو يأمره الحاكم لأجل إقراره بتسليمها إلى الأول في أن وجوب الغرم على قولين .
وقال أبو علي الطبري ونفر من أصحابنا : إن سلمها بنفسه لزم الغرم قولا واحدا لما باشره من الأصالة بالتسليم . فإن سلمها الحاكم ، فعلى قولين ؛ لأنه حكم لا يقدر على رده .
وقال أبو حنيفة إن سلمها بنفسه لم يغرم وإن سلمها الحاكم غرم ، قال : لأن تسلم الحاكم تمليك فصار الملك مستهلكا على الثاني فاستحق الغرم وتسليمه بنفسه ليس بتمليك فلم يغرم .
وعكسه ما ذكرنا أشبه بالحق .