مسألة : قال المزني رحمه الله تعالى : " اكترى عليه الحاكم في ماله من يقوم في النخل مقامه " . ولو ساقى رجل رجلا نخلا مساقاة صحيحة فأثمرت ثم هرب العامل
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وجب أن يلتمسه الحاكم عند استعداء رب النخل إليه ، وإقامة البينة عنده بالعقد ليأخذه بالباقي من عمله ؛ لأن عقد المساقاة لازم يستحق فيه على العامل أجرة العمل ، وعلى رب النخل الثمر . فإن بعد العامل عن الحاكم فلم يقدر عليه استأجر فيما وجد من ماله أجيرا يقوم مقامه في الباقي من عمله ، ثم قاسم الحاكم رب النخل على الثمرة فأخذ منها حصة العامل ليحفظها عليه ، فإن لم يجد للعامل مالا يأخذ منه أجرة الأجير النائب عنه ، استدان عليه قرضا من رب النخل ، أو غيره ، أو من بيت المال ؛ ليقضي ذلك عند حصول حصة العامل من الثمرة فإن لم يجد من يستدين منه قرضا نظر في الثمرة ، فإن كانت بادية الصلاح بيع من حصة العامل فيها بقدر أجور الأجراء ، وإن كانت غير بادية الصلاح فالمعاوضة عليها متعذرة لا سيما مع الإشاعة ، فليس يمكن أن يستوفي من العامل ما بقي عليه من العمل ، وفيه وجهان : إذا هرب العامل في المساقاة ، وقد بقي من عمله ما لا صلاح للنخل ، والثمرة إلا به
أحدهما : وهو يحكى عن أبي علي بن أبي هريرة : أن الحاكم يساقي عليها لأجل [ ص: 382 ] الباقي من العمل فيها رجلا آخر بسهم مشاع في الثمرة يدفعه إليه من حصة العامل عند حصول الثمرة ، وتناهيها ، ويعزل الباقي من حصته - إن بقي - محفوظا له إن عاد ، ويأخذ رب المال حصته منه .
والوجه الثاني : وهو الأصح عندي : أن يقال لرب النخل : قد تعذر استيفاء ما بقي من العمل على العامل ، وهذا عيب يوجب الخيار في المقام على المساقاة ، أو الفسخ ، فإن أقام عليها صار متطوعا بالباقي من العمل وللعامل حصته من الثمرة ، وإن فسخ صار العقد منفسخا في الباقي من العمل .
ثم الصحيح من مذهب الشافعي لزومه في الماضي من العمل ، وتكون حصة العامل من الثمرة مقسطة على العملين الماضي منه ، والباقي ، ويستحق العامل منها ما قابل الماضي من عمله ، ويستحق رب النخل ما قابل الباقي من عمله مضموما إلى حصته .