مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : "  وبنو هاشم   وبنو المطلب   محرم عليهم الصدقات المفروضات ، ولقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من  المهاجرين   والأنصار   ، ولقد حكى لي عدد من أولادهم وأهلهم أنهم كانوا يتولونها حتى ماتوا ، ينقل ذلك العامة منهم عن العامة لا يختلفون فيه ( قال  الشافعي      ) - رحمه الله - : وإن أكثر ما عندنا  بالمدينة   ومكة   من الصدقات لعلي ما وصفت لم يزل من تصدق بها من المسلمين من السلف يلونها على من ماتوا وإن نقل الحديث فيها كالتكلف ( قال ) : واحتج محتج  بحديث  شريح   أن  محمدا      - صلى الله عليه وسلم - جاء بإطلاق الحبس  فقال  الشافعي      : الحبس الذي جاء بإطلاقه - صلى الله عليه وسلم - لو كان حديثا ثابتا كان على ما  كانت العرب تحبس من البحيرة ، والوصيلة ، والحام      : لأنها كانت أحباسهم ، ولا نعلم جاهليا حبس دارا على ولد ، ولا في سبيل الله ، ولا على مساكين وأجاز النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر الحبس على ما روينا ، والذي جاء بإطلاقه غير الحبس الذي أجازه - صلى الله عليه وسلم - ( قال ) : واحتج محتج بقول شريح : لا حبس عن فرائض الله ( قال  الشافعي      ) رحمه الله : لو جعل عرصة له مسجدا لا تكون حبسا عن فرائض الله تعالى ، فكذلك ما أخرج من ماله فليس بحبس عن فرائض الله " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال . جملة ذلك أن الناس على ثلاثة أضرب :  
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأهل بيته ، وسائر الناس .  
فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - : فكانت  الصدقة المفروضة   محرمة عليه بدليل قوله عليه السلام :  إنا أهل بيت لا يحل لنا الصدقة  ، وروي أنه عليه السلام رأى ثمرة ملقاة فقال :  لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها  ولأن الصدقات أوساخ الناس ، وما كان من أوساخ الناس فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - منزه عنه .  
وأما  صدقة التطوع   فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقبلها ، وروي أن  سلمان الفارسي   حمل إليه تمرا في طبق فقال : ما هذا ؟ قال : صدقة فرده ، ثم حمل إليه يوما آخر مثل ذلك فقال : ما هذا ؟ قال : هدية فقبله ، وروي  أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم تصدق به على   بريرة  وقال : هو لها صدقة ولنا هدية  وهل كان ذلك  الامتناع لأجل التحريم ، أو لأجل الاستحباب ؟   فيه قولان :  
أحدهما : لأجل التحريم : لأنه رد الصدقة على  سلمان   ، ولو لم تكن محرمة عليه لما ردها ولكان يطيب قلبه بقبولها ، والذي يدل على ذلك أنه قال  للصعب بن جثامة   لما رد حماره الذي أهداه إليه ورأى الكراهة في وجهه : ليس بنا رد عليك وكلنا حرم ، ويدل عليه      [ ص: 517 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - في اللحم الذي تصدق به على   بريرة     :  هو لها صدقة ولنا هدية  وروي عنه عليه السلام أنه قال :  إنا أهل بيت لا يحل لنا الصدقة  وهذا عام ، وإذا قلنا : إن ذلك الامتناع كان على وجه التنزه لا التحريم فوجهه : أن كل من حلت له الهدية حلت له الصدقة المتطوع بها لغيره - صلى الله عليه وسلم - ولأن أهل بيته يحرم عليهم الصدقة المفروضة وتحل لهم الصدقة المتطوع بها ، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - .  
فأما أهل بيته :  فالصدقة المفروضة   محرمة عليهم بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - :  إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة  وقوله للفضل في خمس الخمس : ما يغنيكم عن أوساخ الناس ، وروي  أن  الحسن   أخذ ثمرة من الصدقة فأكلها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كخ كخ  ، يعني : ارم بها ، وأما صدقة التطوع فكانت حلالا لهم .  
والدليل عليه ما روى  الشافعي   عن  جعفر بن محمد   أنه كان يشرب من ماء السقايات التي بين  مكة   والمدينة      . فقيل له في ذلك ، فقال : " إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة "     .  
فإذا ثبت هذا فنعني بأهل البيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبذوي القربى  بني هاشم   وبني المطلب   ، فهم الذين يحرم عليهم الصدقة المفروضة وهم ذوي القربى ، فأما  آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين يذكرون في التشهد   ، فقد قيل : هم  بنو هاشم   وبنو المطلب   وقيل : هم المؤمنون كلهم فآل الرجل : أتباعه وأشياعه ، كما قال الله تعالى :  أدخلوا آل فرعون أشد العذاب      [ غافر : 46 ] وأراد به أشياع فرعون ، وأما سائر الناس فتحل الصدقات كلها عليهم المفروضة ، وغير المفروضة ، والله أعلم بالصواب .  
				
						
						
