فصل : وأما  القبض فهو من تمام الهبة لا تملك إلا به   وهو قول  أهل  العراق       .  
وقال  مالك   ،  وداود      : الهبة تتم بالعقد ويؤخذ الواهب جبرا بالقبض استدلالا بقوله تعالى :  أوفوا بالعقود      [ المائدة : 1 ] ، وبما روى  ابن عباس   عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه  قالوا : ولأنها عطية فوجب أن لا تفتقر إلى قبض كالوصية .  
ودليلنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أهدى إلى  النجاشي   ثلاثين أوقية مسكا قال   لأم سلمة     :  إن  النجاشي   قد مات وسيرد علي فأعطيك  فلما رد عليه أعطى كل واحدة من نسائه أوقية ودفع باقيه إلى   أم سلمة  ، فلولا أن بالقبض يملك لما استجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتملكه ويتصرف فيه ، وروى  الزهري   ، عن  عروة   ،  عن  عائشة     - رضي الله عنها - أن أباها نحلها جداد عشرين وسقا من ماله فلما حضرته الوفاة جلس فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإن أحب الناس غنى بعدي لأنت ، وإن أعز الناس فقرا بعدي لأنت ، وإني قد نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي ووددت لو كنت حزتيه ، وإنما هو اليوم مال الوارث ، وإنما هو أخواك وأختاك ، قالت : هذا أخواي فمن أختاي ؟ قال ذو بطن : ابنة خارجة ، فإني أظنها جارية ، قالت : لو كن ما بين كذا وكذا لرددته  ، فدل ذلك من قوله على أن الهبة لا تتم إلا بالقبض . وروي  أن  عمر      - رضي الله عنه - قال : ما لي أراكم تنحلون ، لا نحل إلا ما أجازه المنحول  ، ولا مخالف لهما في الصحابة ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول ، فوجب أن يفتقر إلى القبض كالقرض ولأنه عقد لا      [ ص: 536 ] يلزم الوارث إلا بالقبض ، فوجب أن لا يلزم الموروث إلا بالقبض كالرهن طردا ، والبيع عكسا .  
وأما الجواب عن - قوله تعالى - :  أوفوا بالعقود      [ المائدة : 1 ] ، فهو أن المراد به لازم العقود ، ولزوم الهبة ركوب بالقبض لا بالعقد وقوله - صلى الله عليه وسلم - :  العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه  محمول على ما بعد القبض .  
وأما قياسهم على الوصية ، فالمعنى في الوصية أنها لما لزمت الوارث لزمت الموروث ، والهبة قبل القبض لما لم تلزم الوارث لم تلزم الموروث .  
				
						
						
