مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وبهذا أقول ، والبقر كالإبل لأنهما يردان المياه وإن تباعدت ، ويعيشان أكثر عيشهما بلا راع ، فليس له أن يعرض لواحد منهما ، والمال والشاة لا يدفعان عن أنفسهما ، فإن وجدهما في مهلكة فله أكلهما وغرمهما إذا جاء صاحبهما . ( وقال ) فيما وضعه بخطه - لا أعلمه بسمع منه - : والخيل والبغال والحمير كالبعير : لأن كلها قوي ممتنع من صغار السباع بعيد الأثر في الأرض ، ومثلها الظبي للرجل والأرنب والطائر لبعده في الأرض وامتناعه في السرعة " .
قال الماوردي : اعلم أن لم يخل حالها من أحد أمرين : إما أن توجد في مصر ، أو في صحراء ، فإن وجدت في مصر فيأتي ، وإن وجدت في صحراء فعلى ضربين : أحدهما أن تكون مما يصل بنفسه إلى الماء والرعي ويدفع عن نفسه صغار السباع ، [ ص: 6 ] إما لقوة جسمه كالإبل ، والبقر ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، وإما لبعد أثره كالغزال ، والأرنب ، والطير ، فبهذا النوع لا يجوز لواجده أن يتعرض لأخذه إذا لم يعرف مالكه : لقوله - صلى الله عليه وسلم - في ضوال الإبل : ضوال الحيوان إذا وجدت ، ولأنها تحفظ أنفسها ، فلم يكن لصاحبها حظ في أخذها ، فإن أخذها لم يخل من أحد أمرين : إما أن يأخذها لقطة ليمتلكها إن لم يأت صاحبها ، فهذا متعد وعليه ضمانها ، فإن أرسلها لم يسقط الضمان . وقال ما لك ولها ؟ معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر ، ذرها حتى تلقى ربها أبو حنيفة ومالك : قد سقط الضمان عنه بالإرسال بناء على من تعدى في وديعة ثم كف عن التعدي ، فعندهما يسقط الضمان عنه ، وعندنا لا يسقط ، فإن لم يرسلها ولكن دفعها إلى مالكها فقد سقط عنه ضمانها بأدائها إلى مستحقها ، وإن دفعها إلى الحاكم عند تعذر المالك ففي سقوط الضمان وجهان :
أحدهما : قد سقط : لأن الحاكم نائب عمن غاب ، والثاني لا يسقط : لأنها قد تكون لحاضر لا يولى عليه .
والحالة الثانية : ألا يأخذها لقطة ولكن يأخذها حفظا على مالكها ، فإن كان عارفا بمالكها لم يضمن ويده يد أمانة حتى تصل إلى المالك ، وإن كان غير عارف للمالك ففي وجوب الضمان وجهان : أحدهما لا ضمان : لأنه من التعاون على البر والتقوى ، والوجه الثاني : عليه الضمان : لأنه لا ولاية له على غائب . فإن كان واليا كالإمام أو الحاكم فلا ضمان عليه ، فقد روي أن عمر - رضي الله عنه - كانت له حظيرة يحظر فيها ضوال الإبل ، فهذا حكم أحد الضربين .