مسألة : . من ينتفع باللقطة
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ويأكل اللقطة الغني والفقير ومن تحل له الصدقة وتحرم عليه ، قد أبي بن كعب - رضي الله عنه - وهو من أيسر أهل المدينة أو كأيسرهم وجد صرة فيها ثمانون دينارا أن يأكلها ، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن عليا - رضي الله عنه - ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وجد دينارا فأمره أن يعرفه فلم يعرف فأمره النبي بأكله ، فلما جاء صاحبه أمره بدفعه إليه ، وعلي - رضي الله عنه - ممن تحرم عليه الصدقة : لأنه من صلبية بني هاشم " .
قال الماوردي : وهذا كما قال ، غنيا كان أو فقيرا . وقال يجوز لواجد اللقطة بعد تعريفها حولا أن يتملكها ويأكلها أبو حنيفة : يجوز له ذلك إن كان فقيرا ، ولا يجوز له ذلك إن كان غنيا أن يتملكها ، ويكون مخيرا فيها بين أمرين : إما أن تكون في يده أمانة لصاحبها أبدا كالوديعة ، وإما أن يتصدق بها فإن جاء صاحبها وأمضى صدقته فله ثوابها ولا غرم على الواجد ، وإن لم يمض الصدقة فثوابها للواجد وعليه غرمها : استدلالا بما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، وهذا نص . فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها
قال : ولأنه مال يعتبر فيه الحول ، فوجب أن يختلف فيه حال الغني والفقير كالزكاة ، ولأنه مال مسلم فوجب ألا يحل إلا للمضطر قياسا على غير اللقطة ، ودليلنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - لواجد اللقطة : ، يقتضي التسوية بين الغني والفقير . وروي فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها أبي بن كعب وجد صرة فيها ثمانون دينارا ، وروي مائة دينار ، فأخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : عرفها حولا ، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ، قال أن الشافعي : وأبي من أيسر أهل المدينة أو كان أيسرهم ، ولو لم يكن موسرا لصار بعشرين دينارا [ ص: 10 ] منها موسرا على قول أبي حنيفة ، فدل ذلك على أن الفقر غير معتبر فيها ، وأن الغني لا يمنع منها ، وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجد دينارا ، فأتى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، وجدت هذا الدينار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عرفه ثلاثا ، فعرفه ثلاثا فلم يجد من يعرفه ، فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : كله أو سائل به . فابتاع منه بثلاثة دراهم شعيرا ، وبثلاثة دراهم تمرا ، وقضى عنه ثلاثة دراهم ، وابتاع بدرهم لحما ، وبدرهم زيتا ، وكان الصرف على أحد عشر درهما بدينار ، حتى إذا أكله جاء صاحب الدينار يتعرفه ، فقال علي - عليه السلام - : قد أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأكله ، فانطلق صاحبه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جاءنا شيء أديناه إليك وكان صاحب الدينار يهوديا .
قال الشافعي : وعلي : لأنه من طينة ممن تحرم عليه الصدقة بني هاشم ، ولو كانت اللقطة تستباح بالفقر دون الغنى لحظرها عليه ، ولأن ، ولأن ما ثبت للفقير في اللقطة ثبت للغني كالنسك والصدقة ، ولأن كل ما استباح الفقير إتلافه بشرط الضمان استباح الغني إتلافه بشرط الضمان كالقرض ، ولا يدخل عليه طعام المضطر لاستوائهما فيه ، وقد جعل المضطر أصلا ، فيقول : كل ارتفاق بمال الغير إذا كان مضمونا استوى فيه الغني والفقير ، كأكل مال الغير للمضطر ، ولأنه استباح إتلاف مال الغير لمعنى في المال ، فوجب أن يستوي فيه حكم الغني والفقير ، كالنحل الصائل ، ولأن كل ما استبيح تناوله عند الإياس في الأغلب من مالكه استوى فيه حكم الغني والفقير كالركاز ، ولأنه لا يخلو حال اللقطة في يد واجدها من أن تكون في حكم المغصوب ، فيجب انتزاعها قبل الحول وبعده من الغني والفقير ، أو في حكم الودائع فلا يجوز أن يتملكها فقير ولا أن يتصدق بها غني ، أو حكم الكسب فيجوز أن يتملكها الغني والفقير ، ومذهب كل من كان من أهل الالتقاط جاز أن يرتفق بالأكل والتملك كالفقير أبي حنيفة فيها مخالف لأصول هذه الأحكام الثلاثة فكان فاسدا .
ثم يقال لأبي حنيفة : الثواب إنما يستحق على المقاصد بالأعمال لا على أعيان الأفعال : لأن صورها في الطاعة والمعصية على سواء ، كالمرائي بصلاته ، ثم لا يصح أن يكون ثواب العمل موقوفا على غير العامل في استحقاقه وإحباطه ، فأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : فمحمول على أن الواجد سأله عن ذلك فأذن له فيه . تصدق بها
وأما الزكاة فلا معنى للجمع بينها وبين اللقطة : لأن الزكاة تملك غير مضمون ببدل ، واللقطة تؤخذ مضمونة ببدل ، فكان الغني أحق بتملكها لأنه أوفى ذمة ، وأما ما ذكروه من المضطر فقد جعلناه أصلا ، وبالله التوفيق .