فصل : فإذا تقرر ما وصفناه لم يخل حال ملتقط المنبوذ من أربعة أقسام ، أحدها أن يكون مأمونا عليه وعلى ماله ، فيقران معا في يده وهل يكون للحاكم عليه نظر أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي علي الطبري لا نظر عليه لا اجتهاد له فيما إليه ، كما أنه لا نظر في اللقطة على واجدها إذا كان أمينا .
والوجه الثاني وهو قول أبي علي بن خيران : أن للحاكم عليه في المنبوذ نظر ، وله في كفالته اجتهاد : لأنه الوالي على الأطفال وخالف حال اللقطة : لأنها كسب وهكذا اختلف أصحابنا على وجهين : أحدهما : يكون خصما فيه نيابة عن المنبوذ لمكان نظره عليه . هل يكون الملتقط خصما فيما نوزع فيه المنبوذ من أمواله أم لا ؟
والوجه الثاني : لا يكون خصما إلا بإذن الحاكم . والقسم الثاني أن يكون الملتقط غير أمين عليه ، فواجب على الحاكم انتزاعها من يده ويرتضى له من يقوم بكفالته وحفظ ماله . والقسم الثالث : أن يكون أمينا عليه ، فلا يخاف من استرقاقه له ، لكنه غير أمين على ماله خوفا من استهلاكه له ، فهذا يقر المنبوذ في يده وينتزع المال منه : لأنه قد صار له بالتقاطه حق في [ ص: 37 ] كفالته ، فما لم يخرج عن حد الأمانة فيه كان مقرا معه ، وليس تراعى فيه العدالة فيكون جرحه في شيء جرحا في كل شيء ، وإنما يراعى فيه الأمانة ، وقد يكون أمينا في شيء ، وإن كان غير مؤتمن في غيره ، فإن قيل : فهلا كان المال الذي ليس بمؤتمن عليه لأنهما في يده على أحد القولين كاللقطة : لأنها جميعا مال بخلاف المنبوذ ؟ قلنا : لأن مال اللقيطة كسب الملتقط ، وليس مال المنبوذ كسبا للملتقط ، والقسم الرابع أن يكون أمينا على ماله غير أمين على نفسه إما من استرقاقه ، وإما لأنها ذات فرج لا يؤمن غيره فينتزع المنبوذ منه ، وفي إقرار المال معه وجهان : أحدهما : يقر معه ، وإن نزع المنبوذ منه كما يقر المنبوذ معه ، وإن نزع المال منه .
والوجه الثاني : ينتزع المال منه مع المنبوذ : لأن ماله تبع له ، والفرق بين المنبوذ وبين ماله أن لملتقط المنبوذ حقا في كفالته وليس له حق في حفظ ماله ، وإنما الحق عليه في المال وله الكفالة ، فافترقا .