مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " في بلاد الإسلام يحصون ، ثم يوزع بينهم لكل صنف منهم سهمه ، لا يعطى لأحد منهم سهم صاحبه " . ويفرق ثلاثة أخماس الخمس على من سمى الله تعالى ، على اليتامى والمساكين وابن السبيل
قال الماوردي : وهذا كما قال ، وإذ قد مضى الكلام في سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذي القربى من الخمس ، انتقل الكلام إلى باقي السهام وهي ثلاثة أسهم لثلاثة أصناف : سهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لبني السبيل على ما تضمنته الآية من قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ الأنفال : 41 ] .
فأما فيكون اليتم بموت الآباء دون الأمهات لاختصاص الآباء بالنسب فاختصوا باليتم وسموا بذلك لغة لتفردهم بموت الآباء دون الأمهات كما يقال درة يتيمة لتفردها عن أن يكون لها نظير ، ثم يعتبر فيهم مع فقد الآباء شرطان آخران : هما الصغر والإسلام ، فأما الإسلام فيعتبر فيهم شرعا لا لغة : لأن اليتيم يعم مسلمهم ومشركهم ، إنما خص الشرع بهذا السهم من كان منهم مسلما لأمرين : اليتامى فهم الذين مات آباؤهم وإن بقيت أمهاتهم ،
أحدهما : أنه مال لله تعالى فاختص به أهل طاعته .
والثاني : أنه مال قد ملك من المشركين فكان لغيرهم لا لهم ، وأما الصغر فكان فيهم معتبرا : لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا يتيم بعد الحلم ، لكن اختلف في هذا الشرط ، هل ثبت اعتباره شرعا أم لغة ؟ فقال بعضهم : يثبت اعتباره شرعا للخير ، وإلا فهو في اللغة ينطلق على الصغير والكبير ، وقال آخرون : بل يثبت اعتباره لغة وشرعا : لأن اسم اليتيم في اللغة موضوع لمن كان متضعفا محروما وهذا بالصغار أخص منه بالكبار ، فإذا ثبت اعتبار هذه الشروط الثلاثة في اليتامى فقد اختلف أصحابنا في اعتبار شرط رابع فيهم وهو الفقر على وجهين :
أحدهما وهو مذهب الشافعي : أن الفقر شرط رابع يعتبر في استحقاقهم لهذا السهم من الخمس : لأنه مصروف في ذوي الحاجات ؛ فخرج منهم الاعتبار ، ولأنه إرفاق لمن توجه إليه المعونة والرحمة وهم الفقراء دون الأغنياء .
والوجه الثاني : أنه لا يعتبر فيهم الفقر ، وأنه مستحق لغنيهم وفقيرهم لذوي القربى اعتبارا بمطلق الاسم : لأنهم لو اعتبر فيهم الفقر لدخلوا في جملة المساكين . ولما كان تخصيصهم بالذكر فائدة ، فعلى الوجه الأول أن الفقر فيهم معتبر يتعلق عليه ثلاثة أحكام :
أحدها : أنه لا فرق فيهم بين من مات أبوه أو قتل : لاشتراكهم في الحاجة المعتبرة فيهم .
[ ص: 438 ] والحكم الثاني : أنه يجوز الاقتصار على بعض اليتامى دون جميعهم كالفقراء .
والحكم الثالث : أنه يجوز أن يجتهد الإمام برأيه في التسوية بينهم والتفضيل كالفقراء .
وعلى الوجه الثاني أن الفقر فيهم غير معتبر يتعلق عليه ثلاثة أحكام تخالف تلك : فالحكم الأول : أنه يختص بذلك من قتل أبوه في الجهاد دون غيره رعاية لنصرة الآباء في الأبناء كذوي القربى .
والحكم الثاني : أن يفرق في جميعهم ولا يخص به بعضهم ، فعلى قول الشافعي يفرق في أيتام جميع الأقاليم ، وعلى قول أبي إسحاق المروزي : يفرق في إقليم ذلك الثغر دون غيره من الأقاليم .
والحكم الثالث : أنه يسوى بينهم من غير تفضيل كذي القربى وأن يسوى بين الذكور والإناث ، بخلاف ذوي القربى : لأن سهم ذوي القربى كالميراث ، ففضل فيه الذكر على الأنثى . وسهم اليتامى عطية كالوقف والوصية يسوى فيه بين الذكر والأنثى .