فصل : فإن التزم السيد لها المهر والنفقة ، فله أن يستخدمه في مصره ، وله أن يسافر به : لأمرين :
أحدهما : أن السيد إذا التزم له المهر والنفقة سقط عنه ما لزمه بالزوجية فعاد إلى ما كان عليه من قبل ، وقد كان له أن يستخدمه في الحضر والسفر فكذلك الآن .
والثاني : أن منزلة السيد مع عبده كمنزلة الحر في نفسه ، فكل ما جاز للحر أن يفعله مع زوجته من تصرف في الحضر وتقلب في السفر ، جاز للسيد أن يفعله مع عبده ، وإذا كان كذلك فللسيد حالتان :
إحداهما : أن يستخدمه في مصره ، فله أن يستخدمه نهارا وعليه أن يرسله للاستمتاع بزوجته ليلا : لأن زمان الاستخدام هو النهار ، فيعلق حق السيد به دون الليل ، وزمان الاستمتاع هو الليل ، فيعلق حق العبد به دون النهار .
والحال الثانية : أن يسافر به ، فله أن يسافر به ويقطعه عن زوجته ليلا ونهارا .
فإن قيل : أفليس الليل في الحضر مستثنى من حق السيد فهلا كان في السفر كذلك ؟
قيل : لأن السيد في الحضر قد يصل إلى حقه من استخدام النهار ، وإذا أرسله ليلا للاستمتاع ، ولا يصل في السفر إلى حقه من استخدام النهار إذا أرسله ليلا للاستمتاع ، فكذلك صار زمان الليل مستثنى في حال السيد في الحضر وغير مستثنى من السفر ، إلا أن تكون الزوجة مسافرة مع العبد فيستوي حكم الحضر والسفر في استثناء الليل منها . فأما إن كان السيد ممن عمله واستخدامه في الليل دون النهار كالبزارين والرياحين والحدادين ، صار الليل زمان استخدامه لعبده ، والنهار زمان إرساله للاستمتاع بزوجته ، ولا ينبغي للسيد أن يسافر بعبده عند استغنائه عنه قصدا للإضرار به وبزوجته ، وكذلك في مصره . فأما قول الشافعي : " وله أن يسافر بعبده " فقد ذكرنا جوازه .
وقوله : " ويمنعه من الخروج من بيته إلى امرأته وفي مصره " ففيه تأويلان :
أحدهما - قاله أبو حامد - : أنه يمنعه من الخروج من بيته إذا كانت امرأته فيه ، وإن كانت خارجة منه لم يكن له منعه من الخروج إليها .
والثاني - وهو أشبه التأويلين عندي - : أنه يمنعه من الخروج من بيته نهارا : لأنه زمان الاستخدام ، وليس له أن يمنعه من الخروج ليلا في زمان الاستمتاع ، ألا ترى الشافعي قال بعد ذلك : " إلا في الحين الذي لا خدمة له فيه " يعني الليل .
[ ص: 85 ]