[ ص: 152 ] باب
nindex.php?page=treesubj&link=10940الكلام الذي ينعقد به النكاح والخطبة قبل العقد من الجامع من كتاب التعريض بالخطبة ، ومن كتاب ما يحرم الجمع بينه
قال
الشافعي رحمه الله : " أسمى الله - تبارك وتعالى - النكاح في كتابه باسمين : النكاح ، والتزويج ، ودلت السنة على أن الطلاق يقع بما يشبه الطلاق ، ولم نجد في كتاب ولا سنة إحلال نكاح إلا بنكاح أو تزويج ،
nindex.php?page=treesubj&link=24780والهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجمع أن ينعقد له بها النكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر ، وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز النكاح إلا باسم التزويج أو النكاح " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال : النكاح لا ينعقد إلا بصريح اللفظ دون كتابته ،
nindex.php?page=treesubj&link=10873وصريحه لفظان : زوجتك ، وأنكحتك ، فلا ينعقد النكاح إلا بهما سواء ذكر فيه مهرا ، أو لم يذكر .
وقال
أبو حنيفة : ينعقد النكاح بالكتابة كانعقاده بالصريح . فجوز انعقاده بلفظ البيع ، والهبة ، والتمليك ، ولم يجزه بالإحلال والإباحة ، واختلف الرواة عنه في جوازه بلفظ الإجارة ، وسواء ذكر المهر ، أو لم يذكره .
وقال
مالك : إن ذكر مع هذه الكتابات المهر صح ، وإن لم يذكره لم يصح ، فاستدلوا على انعقاد
nindex.php?page=treesubj&link=10942النكاح بالكتابة برواية
معمر عن
أبي حازم عن
سهل بن سعد الساعدي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923897أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له ، فصمت ، ثم عرضت نفسها عليه ، وهو صامت ، فقام رجل - أحسبه قال : من الأنصار - فقال : يا رسول الله ، إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها : فقال : لك شيء : قال : لا والله يا رسول الله ، قال اذهب فالتمس شيئا ولو خاتما من حديد ، فذهب ثم رجع ، فقال : والله ما وجدت شيئا إلا ثوبي هذا ، أشقه بيني وبينها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عليك ، ما في ثوبك فضل عنك ، فهل تقرأ من القرآن شيئا ، فقال : نعم ، قال : ماذا ؟ قال : سورة كذا وكذا ، قال : فقد nindex.php?page=treesubj&link=11200أملكناكها بما معك من القرآن ، قال : فلقد رأيته يمضي وهي تتبعه .
فدل صريح هذا الحديث على أن انعقاد
nindex.php?page=treesubj&link=24780النكاح بلفظ التمليك ، وصار
nindex.php?page=treesubj&link=10874حكم الكناية في انعقاده كالصريح ، ولأنه عقد يقصد به التمليك ، فجاز أن ينعقد بلفظ التمليك كالبيع ، أو لأنه عقد يستباح به البضع ، فجاز أن يستفاد بلفظ الهبة كتمليك الإماء ، ولأن ما انعقد به نكاح النبي صلى الله عليه وسلم انعقد به نكاح أمته كالنكاح ، ولأنه أحد طرفي النكاح ، فجاز أن يستفاد بالصريح والكتابة كالطلاق .
[ ص: 153 ] ولأنه ينعقد بالعجمية : لأنها في معنى العربية ، فدل على أن المقصود في العقد معنى اللفظ دون اللفظ ، والتمليك في معنى النكاح ، فصح به العقد كالنكاح .
ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين [ الأحزاب : 50 ] . فجعل الله تعالى النكاح بلفظ الهبة خالصا لرسوله دون أمته ، فإن قيل : فالآية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعلها الله له خالصة من دون المؤمنين ، وليس في الآية أمر من الله تعالى ، ولا إذن فيه ، فلم يكن في مجرد الطلب دليل على الإباحة .
قيل : قد اختلف الناس
nindex.php?page=treesubj&link=11473_24780هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها منه ، فذهب جمهورهم إلى أنه قد كان عنده امرأة وهبت نفسها له ، واختلفوا فيه على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها
nindex.php?page=showalam&ids=11598أم شريك . قاله
عروة بن الزبير .
والثاني : أنها
nindex.php?page=showalam&ids=10683خولة بنت حكيم . قالته
عائشة .
والثالث : أنها
nindex.php?page=showalam&ids=10771زينب بنت خزيمة أم المساكين . قاله
الشعبي .
فعلى هذا لو لم يكن في الآية دليل على الإباحة إلى ما شاء له من التخصيص ، لكان فعله دليلا عليه .
وقال آخرون : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له . وهذا قول
ابن عباس ومجاهد .
وتأويل من قرأ بالكسر
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إن وهبت محمول على المستقبل . ومن قال بالأول فهو بقراءة من قرأ بالفتح " أن وهبت " على الماضي ، وتأويله على هذا أن يكون سياق الآية دليلا على التخصيص لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي [ الأحزاب : 50 ] حكاية للحال ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إن أراد النبي أن يستنكحها إخبار عن حكم الله ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50خالصة لك من دون المؤمنين مواجهة من الله تعالى له بالحكمة من غير أن يكون من رسوله طلب ، فلم يجز أن يكون محمولا إلا على ابتداء الحكم وبيان التخصيص .
فإن قيل : إنما خص بسقوط المهر : ليكون اختصاصه به مفيدا ، ولم يخص أن يعقد بلفظ الهبة : لأن اختصاصه به غير مفيد ، قيل : بل هو محمول على اختصاصه بالأمرين اعتبارا بعموم الآية ، وليكون اختصاصه بحكم اللفظ في سقوط المهر هو المفيد لاختصاصه بنفس اللفظ : لأنه لو انعقد نكاح غيره بهذا اللفظ لتعدى حكمه إلى غيره ، فيبطل التخصيص ، ويدل على ما ذكرنا من طريق السنة ما رواه
أبو شيبة عن
الحكم عن
مقسم عن
ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923898إن النساء عوان عندكم لا يملكن من أمورهن شيئا إنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكتاب الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن [ ص: 154 ] بالمعروف ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا ، وأن لا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه ، فإن فعلن من ذلك شيئا ، فقد حل لكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح ، ألا هل بلغت ، قالوا : اللهم نعم ، قال : اللهم فاشهد .
فموضع الدليل من هذا الحديث قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923899واستحللتم فروجهن بكتاب الله وليس في كتاب الله إلا لفظ النكاح والتزويج ، فدل على أنه لم يستحل الفروج إلا بهما .
ويدل عليه من القياس : أنه عقد على منفعة لم ينعقد بلفظ الهبة كالإجارة ، ولأنه عقد معاوضة فلم ينعقد بلفظ الهبة كالبيع ، ولأن لفظ الهبة موضوع لعقد لا يتم إلا بالقبض ، فلم ينعقد به النكاح كالرهن ، ولأنه أحد طرفي العقد فلم يصح بلفظ الهبة كالطلاق ، ولأن ما كان صريحا في عقد لم يكن صريحا في غيره كالإجارة والبيع ، ولأن ما لم يكن صريحا في النكاح لم ينعقد به النكاح كالإباحة والإحلال ، ولأن هبة المنافع إن لم يكن معها عوض فهي كالعارية ، وإن كان معها عوض جرت مجرى الإجارة عندهم ، والنكاح لا ينعقد بالعارية والإجارة فكذلك بما اقتضاهما من الهبة ، ولأن الحقيقة في عقد لو صارت حقيقة في غيره لبطلت حقائق العقود : لأن لفظ الكتابة تقوم مقام التصريح بالنية ، وهي مما لا يعلمها الشهود والمشروطون في النكاح إلا بالاختيار ، فلم ينعقد به النكاح كالإقرار ، ولأن البيع والهبة ينافيان النكاح بدليل أن من تزوج أمة ثم ابتاعها أو استوهبها بطل نكاحها ، وما نافى النكاح لم ينعقد به النكاح كالطلاق ، ولأنه لفظ يوضع لإسقاط ما في الذمم ، فلم ينعقد به النكاح كالإبراء ، ولأنه لو انعقد النكاح بلفظ البيع لانعقد البيع بلفظ النكاح ، وفي امتناع هذا إجماع وامتناع ذلك حجاج .
فأما الجواب عن قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923900قد ملكتها بما معك من القرآن " فهو أن
أبا بكر النيسابوري قال : وهم فيه
معمر ، فإنه ما روى " قد ملكتها " إلا
معمر عن
أبي حازم ، وقد روى
مالك وسفيان بن عيينة ،
وحماد بن زيد ،
وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ،
وفضيل بن سليمان ، عن
أبي حازم ، عن
سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923901زوجتكها بما معك من القرآن وهذه الرواية أثبت لكثرة عدد الرواة ، وإنهم خمسة علماء ، ثم تستعمل الروايتين فتحمل رواية من روى قد " زوجتكها " على حال العقد ، ومن روى " قد ملكتها " على الإخبار بعقد عما ملكه بالعقد .
وأما الجواب عن قياسهم على أحكام البيع بأنه عقد يقصد به التمليك ، فهو أن لأصحابنا في عقد البيع بلفظ التمليك وجهان :
أحدهما : لا يصح : لأن التمليك من أحكام البيع ، فلم ينعقد به البيع ، فعلى هذا يبطل الأصل .
والثاني : أن البيع ينعقد به ، فعلى هذا يكون المعتبر في انعقاد البيع بلفظ التمليك وجود التمليك فيه على عمومه ، وقصوره في النكاح على العموم : لأنه يملك كل المبيع ، ولا
[ ص: 155 ] يملك من المنكوحة إلا الاستمتاع ، وهكذا الجواب عن قياسهم على شراء الإماء ، وأما تعليلهم بنكاح النبي صلى الله عليه وسلم فعنه جوابان :
أحدهما : أنه تعليل يدفع النص فكان مطرحا .
والثاني : أنه لما خص سقوط المهر جاز أن يكون مخصوصا باللفظ الذي يقتضي سقوط المهر ، ثم المعنى في لفظ النكاح أنه صريح فيه ، والبيع والهبة صريحان في غيره .
وأما قياسهم على الطلاق في وقوعه بالصريح والكناية ، هو أن النكاح قد غلظ بشروط لم تعتبر في الطلاق ، فلم يصح قياسه عليه في تخفيف شروطه ، على أن النكاح شهادة مشروطة لا تتحقق في الكناية فلم ينعقد بالكناية ، وليس في الطلاق شهادة مشروطة فوقع بالكناية .
وأما استدلالهم
nindex.php?page=treesubj&link=10948بعقده بالعجمية فشرح لمذهبنا فيه بيان للانفصال عنه ، وفيه لأصحابنا ثلاثة أوجه :
أحدهما - حكاه
أبو حامد الإسفراييني ، ولم يتابعه عليه أحد - : أنه لا ينعقد بالعجمية ، سواء كان عاقده يحسن العربية أو لا يحسنها كما أن القراءة لا يجوز بالعجمية وإن كان لا يحسن العربية ، فعلى هذا سقط السؤال .
والوجه الثاني - وهو مشهور ، قاله جمهور أصحابنا - : أنه ينعقد بالعجمية سواء كان عاقده يحسن العربية أو لا يحسنها : لأن لفظه بالعجمية صريح ، فخرج عن حكم الكناية بالعربية : لأن في كناية العربية احتمالا ، وليس في صريح العجمية احتمال ، وخالف القرآن المعجز : لأن إعجازه ونظمه ، وهذا المعنى يزول عنه إذا عدل عن لفظه العربي إلى الكلام العجمي .
والوجه الثالث - وهو قول
أبي سعيد الإصطخري - : أنه إن كان عاقده يحسن العربية ، لم ينعقد بالعجمية ، وإن كان لا يحسن العربية انعقد بالعجمية ، كأذكار الصلاة تجزئ بالعجمية لمن لا يحسن العربية ، ولا تجزئ لمن يحسنها ، فعلى هذا لا يجوز أن يجمع بين حال القدرة والعجز ، والعادل عن صريح النكاح إلى كتابته قادر ، والعادل عنه إلى العجمية عاجز فاقد .
فإذا قيل بالوجه الأول : أنه لا ينعقد بالعجمية مع القدرة والعجز كان عاقده إذا لم يحسن العربية بالخيار بين أن يوكل عربيا في عقده ، وبين أن يتعلم العربية فيعقده بنفسه .
وإذا قيل بالوجه الثاني : أنه ينعقد بالعجمية مع القدرة والعجز كان عاقده إذا لم يحسن العربية ، فهو بالخيار إذا كان يحسن العربية بين أن يعقده بالعربية وهو أولى : لأنه لسان الشريعة وبين أن يعقده بالفارسية ، وبأي اللسانين عقده ، فلا يصح حتى يكون شاهدا عقده بعرفانه ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=10948عقده بالعربية وشاهداه عجميان ، أو عقده بالعجمية وشاهداه عربيان لم يجز : لأنهما إذا لم يعرفا لسان العقد لم يشهدا عليه إلا بالاستخبار عنه ، فجرى بينهما مجرى الكناية .
[ ص: 156 ] وإذا قيل بالقول الثالث : أنه ينعقد بالعجمية مع العجز ، ولا ينعقد بها مع القدرة ، فلا يخلو حال الولي الباذل والزوج القابل من ثلاثة أحوال :
إحداها : أن يكونا عربيين ، فلا ينعقد النكاح بينهما إلا بالعربية .
والحال الثانية : أن يكونا عجميين ، فلا ينعقد النكاح بينهما إن باشراه بأنفسهما إلا بالعجمية .
والحال الثالثة : أن يكون أحدهما عربيا والآخر أعجميا ، فلا ينعقد النكاح بينهما بالعربية : لأن العجمي لا يحسنها ، ولا بالعجمية : لأن العربي لا يحسنها ، فكانا بالخيار بين أمرين أن يوكلا من يعرف أحد اللسانين ، وبين أن يتعلم العجمي منهما العربية ، فيجتمعا على عقده بها ولا يجوز أن يتعلم العربي العجمية : ليجتمعا على عقده بها : لأن من أحسن العربية لا يجوز له العقد بالعجمية ، ويجوز لمن يحسن العجمية أن يعقده بالعربية .
فإن قيل : فهلا اختص العربي فيه باللفظ العربي ، وتفرد العجمي باللفظ العجمي .
قيل : لا يجوز : لأن كل واحد منهما لا يعرف لفظ صاحبه فيقابله عليه - والله أعلم .
[ ص: 152 ] بَابُ
nindex.php?page=treesubj&link=10940الْكَلَامِ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ وَالْخِطْبَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ مِنَ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ ، وَمِنْ كِتَابِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ
قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : " أَسْمَى اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - النِّكَاحَ فِي كِتَابِهِ بِاسْمَيْنِ : النِّكَاحُ ، وَالتَّزْوِيجُ ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ ، وَلَمْ نَجِدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ إِحْلَالَ نِكَاحٍ إِلَّا بِنِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24780وَالْهِبَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجْمَعٌ أَنْ يَنْعَقِدَ لَهُ بِهَا النِّكَاحُ بِأَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لَهُ بِلَا مَهْرٍ ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلَّا بِاسْمِ التَّزْوِيجِ أَوِ النِّكَاحِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا كَمَا قَالَ : النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِصَرِيحِ اللَّفْظِ دُونَ كِتَابَتِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=10873وَصَرِيحُهُ لَفْظَانِ : زَوَّجْتُكَ ، وَأَنْكَحْتُكَ ، فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إِلَّا بِهِمَا سَوَاءً ذُكِرَ فِيهِ مَهْرًا ، أَوْ لَمْ يُذْكَرْ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْكِتَابَةِ كَانْعِقَادِهِ بِالصَّرِيحِ . فَجَوَّزَ انْعِقَادَهُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ ، وَالتَّمْلِيكِ ، وَلَمْ يُجِزْهُ بِالْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ ، وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْهُ فِي جَوَازِهِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ ، وَسَوَاءً ذَكَرَ الْمَهْرَ ، أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : إِنْ ذَكَرَ مَعَ هَذِهِ الْكِتَابَاتِ الْمَهْرَ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يَصِحَّ ، فَاسْتَدَلُّوا عَلَى انْعِقَادِ
nindex.php?page=treesubj&link=10942النِّكَاحِ بِالْكِتَابَةِ بِرِوَايَةِ
مَعْمَرٍ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923897أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ ، فَصَمَتَ ، ثُمَّ عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ ، وَهُوَ صَامِتٌ ، فَقَامَ رَجُلٌ - أَحْسَبُهُ قَالَ : مِنَ الْأَنْصَارِ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا : فَقَالَ : لَكَ شَيْءٌ : قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ شَيْئًا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا إِلَّا ثَوْبِي هَذَا ، أَشُقُّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكَ ، مَا فِي ثَوْبِكَ فَضْلٌ عَنْكَ ، فَهَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا ، فَقَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مَاذَا ؟ قَالَ : سُورَةَ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فَقَدْ nindex.php?page=treesubj&link=11200أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ، قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَمْضِي وَهِيَ تَتْبَعُهُ .
فَدَلَّ صَرِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ انْعِقَادَ
nindex.php?page=treesubj&link=24780النِّكَاحِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ، وَصَارَ
nindex.php?page=treesubj&link=10874حُكْمُ الْكِنَايَةِ فِي انْعِقَادِهِ كَالصَّرِيحِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّمْلِيكُ ، فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ ، أَوْ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ ، فَجَازَ أَنْ يُسْتَفَادَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَتَمْلِيكِ الْإِمَاءِ ، وَلِأَنَّ مَا انْعَقَدَ بِهِ نِكَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْعَقَدَ بِهِ نِكَاحُ أُمَّتِهِ كَالنِّكَاحِ ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيِ النِّكَاحِ ، فَجَازَ أَنْ يُسْتَفَادَ بِالصَّرِيحِ وَالْكِتَابَةِ كَالطَّلَاقِ .
[ ص: 153 ] وَلِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ : لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْعَرَبِيَّةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْعَقْدِ مَعْنَى اللَّفْظِ دُونَ اللَّفْظِ ، وَالتَّمْلِيكُ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ ، فَصَحَّ بِهِ الْعَقْدُ كَالنِّكَاحِ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [ الْأَحْزَابِ : 50 ] . فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى النِّكَاحَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ خَالِصًا لِرَسُولِهِ دُونَ أُمَّتِهِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا اللَّهُ لَهُ خَالِصَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا إِذْنٌ فِيهِ ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مُجَرَّدِ الطَّلَبِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ .
قِيلَ : قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ
nindex.php?page=treesubj&link=11473_24780هَلْ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ، فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ :
أَحَدُهَا : أَنَّهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11598أُمُّ شَرِيكٍ . قَالَهُ
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهَا
nindex.php?page=showalam&ids=10683خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ . قَالَتْهُ
عَائِشَةُ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا
nindex.php?page=showalam&ids=10771زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ . قَالَهُ
الشَّعْبِيُّ .
فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى مَا شَاءَ لَهُ مِنَ التَّخْصِيصِ ، لَكَانَ فِعْلُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ . وَهَذَا قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ .
وَتَأْوِيلُ مَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إِنْ وَهَبَتْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ . وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَهُوَ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ " أَنْ وَهَبَتْ " عَلَى الْمَاضِي ، وَتَأْوِيلُهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ سِيَاقُ الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ [ الْأَحْزَابِ : 50 ] حِكَايَةٌ لِلْحَالِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=50خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ مُوَاجَهَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالْحِكْمَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَسُولِهِ طَلَبٌ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا إِلَّا عَلَى ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ وَبَيَانِ التَّخْصِيصِ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا خُصَّ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ : لِيَكُونَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ مُفِيدًا ، وَلَمْ يُخَصَّ أَنْ يَعْقِدَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ : لِأَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِهِ غَيْرُ مُفِيدٍ ، قِيلَ : بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْأَمْرَيْنِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الْآيَةِ ، وَلِيَكُونَ اخْتِصَاصُهُ بِحُكْمِ اللَّفْظِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ هُوَ الْمُفِيدُ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ : لِأَنَّهُ لَوِ انْعَقَدَ نِكَاحُ غَيْرِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ لَتَعَدَّى حُكْمُهُ إِلَى غَيْرِهِ ، فَيَبْطُلُ التَّخْصِيصُ ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ
أَبُو شَيْبَةَ عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ
مِقْسَمٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923898إِنَّ النِّسَاءَ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَا يَمْلِكْنَ مِنْ أُمُورِهِنَّ شَيْئًا إِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ [ ص: 154 ] بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا ، وَأَنْ لَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ أَنْ تَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ ، قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ .
فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923899وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا لَفْظُ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْفُرُوجَ إِلَّا بِهِمَا .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَاسِ : أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَالْإِجَارَةِ ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الْهِبَةِ مَوْضُوعٌ لِعَقْدٍ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النِّكَاحُ كَالرَّهْنِ ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَصِحَّ بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَالطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي عَقْدٍ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ كَالْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النِّكَاحُ كَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ ، وَلِأَنَّ هِبَةَ الْمَنَافِعِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا عِوَضٌ فَهِيَ كَالْعَارِيَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا عِوَضٌ جَرَتْ مَجْرَى الْإِجَارَةِ عِنْدَهُمْ ، وَالنِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَارِيَةِ وَالْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ بِمَا اقْتَضَاهُمَا مِنَ الْهِبَةِ ، وَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي عَقْدٍ لَوْ صَارَتْ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِ لَبَطَلَتْ حَقَائِقُ الْعُقُودِ : لَأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ تَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالنِّيَّةِ ، وَهِيَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهَا الشُّهُودُ وَالْمَشْرُوطُونَ فِي النِّكَاحِ إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النِّكَاحُ كَالْإِقْرَارِ ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ يُنَافِيَانِ النِّكَاحَ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا أَوِ اسْتَوْهَبَهَا بَطَلَ نِكَاحُهَا ، وَمَا نَافَى النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ ، وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يُوضَعُ لِإِسْقَاطِ مَا فِي الذِّمَمِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ النِّكَاحُ كَالْإِبْرَاءِ ، وَلِأَنَّهُ لَوِ انْعَقَدَ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَانْعَقَدَ الْبَيْعُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ ، وَفِي امْتِنَاعِ هَذَا إِجْمَاعٌ وَامْتِنَاعِ ذَلِكَ حِجَاجٌ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923900قَدْ مَلَكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ " فَهُوَ أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ قَالَ : وَهِمَ فِيهِ
مَعْمَرٌ ، فَإِنَّهُ مَا رَوَى " قَدْ مَلَكْتَهَا " إِلَّا
مَعْمَرٌ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ ، وَقَدْ رَوَى
مَالِكٌ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ،
وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ،
وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ ،
وَفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ
أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923901زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرَآنِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَثْبَتُ لِكَثْرَةِ عَدَدِ الرُّوَاةِ ، وَإِنَّهُمْ خَمْسَةُ عُلَمَاءَ ، ثُمَّ تَسْتَعْمِلُ الرِّوَايَتَيْنِ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى قَدْ " زَوَّجْتُكَهَا " عَلَى حَالِ الْعَقْدِ ، وَمَنْ رَوَى " قَدْ مَلَكْتَهَا " عَلَى الْإِخْبَارِ بِعَقْدٍ عَمَّا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ عَقْدٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّمْلِيكُ ، فَهُوَ أَنَّ لِأَصْحَابِنَا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يَصِحُّ : لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ الْبَيْعُ ، فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِهِ ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وُجُودَ التَّمْلِيكِ فِيهِ عَلَى عُمُومِهِ ، وَقُصُورُهُ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْعُمُومِ : لِأَنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ الْمَبِيعِ ، وَلَا
[ ص: 155 ] يَمْلِكُ مِنَ الْمَنْكُوحَةِ إِلَّا الِاسْتِمْتَاعَ ، وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى شِرَاءِ الْإِمَاءِ ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُمْ بِنِكَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَعْلِيلٌ يَدْفَعُ النَّصَّ فَكَانَ مُطَّرَحًا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا خَصَّ سُقُوطَ الْمَهْرِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِاللَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي لَفْظِ النِّكَاحِ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ ، وَالْبَيْعُ وَالْهِبَةُ صَرِيحَانِ فِي غَيْرِهِ .
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الطَّلَاقِ فِي وُقُوعِهِ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ ، هُوَ أَنَّ النِّكَاحَ قَدْ غَلُظَ بِشُرُوطٍ لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الطَّلَاقِ ، فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ فِي تَخْفِيفِ شُرُوطِهِ ، عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ شَهَادَةٌ مَشْرُوطَةٌ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْكِنَايَةِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِالْكِنَايَةِ ، وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ شَهَادَةٌ مَشْرُوطَةٌ فَوَقَعَ بِالْكِنَايَةِ .
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=10948بِعَقْدِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ فَشَرْحٌ لِمَذْهَبِنَا فِيهِ بَيَانٌ لِلِانْفِصَالِ عَنْهُ ، وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهُمَا - حَكَاهُ
أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَاييِنِيُّ ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ - : أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ ، سَوَاءً كَانَ عَاقِدُهُ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا يَجُوزُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ ، فَعَلَى هَذَا سَقَطَ السُّؤَالُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ مَشْهُورٌ ، قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا - : أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ سَوَاءً كَانَ عَاقِدُهُ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا : لِأَنَّ لَفْظَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ ، فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْكِنَايَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ : لِأَنَّ فِي كِنَايَةِ الْعَرَبِيَّةِ احْتِمَالًا ، وَلَيْسَ فِي صَرِيحِ الْعَجَمِيَّةِ احْتِمَالٌ ، وَخَالَفَ الْقُرْآنَ الْمُعْجِزَ : لِأَنَّ إِعْجَازَهُ وَنَظْمَهُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَزُولُ عَنْهُ إِذَا عُدِلَ عَنْ لَفْظِهِ الْعَرَبِيِّ إِلَى الْكَلَامِ الْعَجَمِيِّ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ - وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ - : أَنَّهُ إِنْ كَانَ عَاقِدُهُ يُحْسُنُ الْعَرَبِيَّةَ ، لَمْ يَنْعَقِدْ بِالْعَجَمِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ انْعَقَدَ بِالْعَجَمِيَّةِ ، كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ تُجْزِئُ بِالْعَجَمِيَّةِ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ ، وَلَا تُجْزِئُ لِمَنْ يُحَسِنُهَا ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ حَالِ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ ، وَالْعَادِلُ عَنْ صَرِيحِ النِّكَاحِ إِلَى كِتَابَتِهِ قَادِرٌ ، وَالْعَادِلُ عَنْهُ إِلَى الْعَجَمِيَّةِ عَاجِزٌ فَاقِدٌ .
فَإِذَا قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ : أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ كَانَ عَاقِدُهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْعَرَبِيَّةَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ عَرَبِيًّا فِي عَقْدِهِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ فَيَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ .
وَإِذَا قِيلَ بِالْوَجْهِ الثَّانِي : أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ كَانَ عَاقِدُهُ إِذَا لَمْ يُحْسِنِ الْعَرَبِيَّةَ ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا كَانَ يَحْسُنُ الْعَرَبِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى : لِأَنَّهُ لِسَانُ الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ ، وَبِأَيِّ اللِّسَانَيْنِ عَقَدَهُ ، فَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ شَاهِدًا عَقْدُهُ بِعِرْفَانِهِ ، فَإِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=10948عَقَدَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَشَاهِدَاهُ عَجَمِيَّانِ ، أَوْ عَقَدَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَشَاهِدَاهُ عَرَبِيَّانِ لَمْ يَجُزْ : لِأَنَّهُمَا إِذَا لَمْ يَعْرِفَا لِسَانَ الْعَقْدِ لَمْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ إِلَّا بِالِاسْتِخْبَارِ عَنْهُ ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا مَجْرَى الْكِنَايَةِ .
[ ص: 156 ] وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّالِثِ : أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْعَجْزِ ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْوَلِيِّ الْبَاذِلِ وَالزَّوْجِ الْقَابِلِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ :
إِحْدَاهَا : أَنْ يَكُونَا عَرَبِيَّيْنِ ، فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ .
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَا عَجَمِيَّيْنِ ، فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا إِنْ بَاشَرَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا إِلَّا بِالْعَجَمِيَّةِ .
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا عَرَبِيًّا وَالْآخَرُ أَعْجَمِيًّا ، فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ : لِأَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يُحْسِنُهَا ، وَلَا بِالْعَجَمِيَّةِ : لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ لَا يُحْسِنُهَا ، فَكَانَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنْ يُوَكِّلَا مَنْ يَعْرِفُ أَحَدَ اللِّسَانَيْنِ ، وَبَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعَجَمِيُّ مِنْهُمَا الْعَرَبِيَّةَ ، فَيَجْتَمِعَا عَلَى عَقْدِهِ بِهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيُّ الْعَجَمِيَّةَ : لِيَجْتَمِعَا عَلَى عَقْدِهِ بِهَا : لِأَنَّ مَنْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ بِالْعَجَمِيَّةِ ، وَيَجُوزُ لِمَنْ يُحْسِنُ الْعَجَمِيَّةَ أَنْ يَعْقِدَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا اخْتَصَّ الْعَرَبِيُّ فِيهِ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ ، وَتَفَرَّدَ الْعَجَمِيُّ بِاللَّفْظِ الْعَجَمِيِّ .
قِيلَ : لَا يَجُوزُ : لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَعْرِفُ لَفْظَ صَاحِبِهِ فَيُقَابِلُهُ عَلَيْهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ .