[ القول في ] وجوب الحد بوطء جارية ابنه
فأما الفصل الأول : في وجوب الحد ، فلا يخلو حال الأمة الموطوءة من أن يكون الابن قد وطئها قبل ذلك أو لم يطأها ، فإن لم يكن الابن قد وطئها ، فلا حد على الأب في وطئها . وهو قول جمهور الفقهاء .
وحكي عن الزهري وأبي ثور ، وجوب الحد عليه : استدلالا بأنه لما حد الابن بوطئه جارية الأب مع وجود الشبهة في ماله الذي يسقط بها عنه قطع السرقة ، وجب أن يحد الأب بوطئه جارية الابن ، وإن كانت له شبهة في ماله يسقط بها عنه قطع السرقة .
وهذا خطأ : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ولقوله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك فلما تميز الأب في مال الابن بهذا الحكم قويت شبهته فيه عن شبهة الابن في مال الأب ، فوجب لقوة شبهته على شبهة الابن أن يدرأ بها عنه الحد : لقوله صلى الله عليه وسلم : أولادكم من كسبكم فكلوا من طيب كسبكم ولأنه لما منع الابن من نفس أبيه قودا ، منع منه حدا : لأن الأب لو قتل ابنه لم يقتص منه ، ولو قذفه لم يحد به ، ويقتل الابن بأبيه ويحد بقذفه ، فوجب أن يسقط الحد عن الأب بوطئه جارية الابن ، وأن لا يسقط الحد عن الابن بوطئه جارية الأب : لأن الحد إن ألحق بحد القذف لم يجب ، وإن ألحق بالقود في النفس لم يجب ، وهذا دليل وانفصال ، ولأن على الابن إعفاف أبيه لو احتاج ، وليس على الأب إعفاف ابنه إذا احتاج ، فلما كان الوطء جنسا يجب على الابن تمكين أبيه منه ، ولم يجب على الأب تمكين ابنه منه وجب أن يسقط [ ص: 177 ] الحد عن الأب : لأنه له حق من جنسه ، ولا يسقط عن الابن : لأنه ليس له حق من جنسه ، وهذا أيضا دليل وانفصال . ادرءوا الحدود بالشبهات
فأما السرقة ، فإنما سقط القطع عن كل واحد منهما في مال الآخر : لتساويهما في شبهة كل واحد منهما في مال الآخر : لأن نفقة الابن قد تجب في مال الأب كما تجب نفقة الأب في مال الابن فاستويا ، وليس كذلك حد الوطء لاختصاص الأب فيه بالشبهة دون الابن ، كما يستحقه الأب على الابن من الإعفاف ولا يستحقه الابن على الأب ، فافترقا ، فإذا ثبت أن لا حد عليه ، ففي تعزيره وجهان :
أحدهما : يعزر : ليرتدع هو وغيره عن مثله .
والوجه الثاني : لا يعزر : لأن التعزير بدل من الحد ، وليس عليه حد ، فكذلك ليس عليه تعزير ، فهذا حكم وطء الأب لها إذا لم يكن الابن قد وطئها .
فأما إذا كان الابن قد وطئها ، ثم وطئها الأب بعده ، ففي وجوب الحد عليه وجهان :
أحدهما : عليه الحد ، إذا علم بالتحريم أنها ممن لا تحل له أبدا بخلاف التي لم يطأها الابن ، فصارت من حلائل أبنائه فلزمه الحد كما يلزمه في وطء زوجة ابنه .
والوجه الثاني : لا حد عليه : لأنها وإن وطئها ، فهي من جملة أمواله التي يتعلق بها شبهة أبيه .
ويشبه أن يكون تخريج هذين الوجهين من اختلاف قوليه في وجوب الحد على من وطأ أخته من نسب أو رضاع أو بملك اليمين .