مسألة : قال الشافعي : " ولو ، لم يرجع في نصفه ؛ لأن الرجوع لا يكون إلا بإخراجها إياه من ملكها ، ( قال أصدقها عبدا فدبرته ثم طلقها قبل الدخول المزني ) : قد أجاز الرجوع في كتاب التدبير بغير إخراج له من ملكه وهو بقوله أولى ، ( قال المزني ) : إذا كان التدبير وصية له برقبته فهو كما لو أوصى لغيره برقبته مع أن رد نصفه إليه إخراج من الملك " .
قال الماوردي : وصورتها أن ، وتقول : أنت مدبر ، تريد به : أنها إذا ماتت فهو حر ، فقد صار مدبرا . وللرجوع فيه قولان : يصدقها عبدا فتدبره بأن تقول له : إذا مت فأنت حر
أحدهما - وبه قال في القديم ، وأحد قوليه في الجديد - : إن التدبير كالوصايا ، ولها الرجوع فيه بالقول مع بقائه على ملكها بأن تقول : قد رجعت في تدبيرك ، أو أبطلته فيبطل التدبير مع بقائه على الملك كما تبطل الوصايا بالرجوع .
والقول الثاني : وهو قوله الثاني في الجديد : إن التدبير يجري مجرى العتق بالصفات ، وليس لها الرجوع فيه بالقول ، ولها إبطاله بالفعل ، وهو أن تخرجه عن ملكها ببيع أو هبة فيبطل .
فإذا تقرر هذان القولان وطلقها الزوج بعد تدبيره ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن تكون قد أبطلت تدبيره ، إما بالقول على القول الأول ، أو بالفعل على القول الثاني ، فللزوج أن يرجع بنصفه ، وهل له فيه الخيار أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : لا خيار له ؛ لأنه قد صار بإبطال التدبير عبدا قنا .
والوجه الثاني : له الخيار ؛ لأن المدبر ربما حاكم مولاته بعد إبطالها لتدبيره إلى حنفي لا يرى إبطال التدبير ، فيحكم عليها بالتزامه ، فعلى هذا يكون الزوج لأجل ذلك مخيرا بين أخذ نصفه وبين أن تفسخ ، ويرجع عليها بنصف قيمته .
والضرب الثاني : أن يكون على تدبيره عند طلاق الزوج ، لم تبطله الزوجة بالقول ولا بالفعل ، ففي رجوع الزوج بنصفه ثلاثة أقاويل :
أحدها : له الرجوع بنصفه ، سواء قيل : إن التدبير كالوصايا يجوز الرجوع فيه بالقول ، أو قيل : إنه كالعتق بالصفات التي لا يجوز الرجوع فيه إلا بالفعل لبقاء المدبر على ملكها ، وأن لها إزالة ملكها عنه مختارة بالبيع ، فلأن يجوز إزالة ملكها عنه جبرا برجوع الزوج أولى .
والقول الثاني : ليس له الرجوع بنصفه ، ويعدل عنه إلى بدله ، سواء قيل : إن التدبير [ ص: 463 ] كالوصايا يجوز الرجوع فيها بالقول ، أو قيل : إنه كالعتق بالصفات لا يجوز الرجوع فيه إلا بالفعل ؛ لأن الرجوع في التدبير إنما يصح إذا كان من جهة السيد المدبر لا من غيره ، ورجوع الزوج فيه يكون إبطالا للتدبير من غير السيد فلم يجز .
والقول الثالث : أنه يجوز للزوج أن يرجع بنصفه ، إذا قيل : إن التدبير وصية يجوز الرجوع فيها بالقول ، ولا يجوز له الرجوع بنصفه ، إذا قيل : إن التدبير عتق بصفة لا يجوز الرجوع فيه إلا بالفعل ، فيكون حكم الزوج في إبطاله معتبرا بالزوجة .
فإذا تقررت هذه الأقاويل الثلاثة ، فإن قلنا : ليس لها الرجوع بنصفه كان له الرجوع عليها بنصف قيمته . وإذا قلنا : له الرجوع بنصفه ، فله الخيار دونها بين المقام والفسخ لعلتين .
إحداهما : أن بقاء نصفه على التدبير نقص في قيمته .
والثاني : أنه ربما حاكم مولاته إلى حنفي يرى لزوم تدبيره .
فإن أقام فهو حقه ، وإن فسخ رجع عليها بنصف قيمته .
فصل : فأما إذا كاتبته فليس للزوج الرجوع بنصفه ، وله الرجوع بنصف قيمته ؛ لأن الكتابة لازمة للسيد لا يجوز له إبطالها إلا بالعجز .
فعلى هذا لو لم يرجع الزوج بنصف قيمته حتى عجز المكاتب وعاد عبدا ، فهل يرجع الزوج بنصفه أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يرجع به لوجوده في ملكها .
والوجه الثاني : لا يرجع ؛ لأن حقه وقت الطلاق قد كان في قيمته .
ولكن لو لم يطلقها إلا بعد عجزه وعوده إلى الرق ، كان له الرجوع بنصفه وجها واحدا .
ولو كانت الزوجة قد وهبته أو رهنته ثم طلقها ، فإن لم تكن قد أقبضته في الرهن والهبة ، فالعقد فيه لم يلزم في الرهن ولا في الهبة ، فللزوج أن يرجع بنصفه ، ولها إقباض النصف الآخر في الرهن والهبة ، وإن كانت قد أقبضته في الرهن والهبة ، فقد خرج بالقبض في الهبة من ملكها ، فيرجع الزوج بنصف قيمته ، وقد صار وثيقة في حق المرتهن ، فلم يجز إبطال وثيقته فيرجع الزوج بنصف قيمته .
فلو لم يرجع بها حتى أفكته من رهنه ، ففي رجوعه بنصفه وجهان : وهكذا لو باعته ثم ابتاعته ، أو وهبته ثم استوهبته كان في رجوع الزوج بنصفه وجهان .
ولو كان قد أجرته لم تمنع إجارته من رجوع الزوج بنصفه ؛ لأن عقد الإجارة على منفعته ، ورقبته باقية على ملكها ، فيكون الزوج لنقض الإجارة بالخيار بين الرجوع بنصفه والتزام الإجارة إلى انقضاء مدتها ، وبين العدول عنه إلى الرجوع بنصف قيمته .
[ ص: 464 ] ولو ، ففي رجوعه بنصفه وجهان ؛ أحدهما : يرجع به ؛ لأن بيعه لم يلزم ، فصار كالهبة إذا لم تقبض . باعته بخيار ثلاثة أيام لهما أو لها دونه ثم طلقها الزوج
والوجه الثاني : لا رجوع له به ؛ لأن فسخه في مدة الخيار لا يستحقه غير المالك المختار ، والله أعلم .