مسألة : قال الشافعي : " ولو فلها المشيئة وقت الخيار " . قالت له طلقني ولك علي ألف درهم فقال أنت طالق على الألف إن شئت
قال الماوردي : هذه المسألة تشتمل على سؤالين وجوابين فالسؤالان :
أحدهما : قول المرأة : طلقني على ألف .
والثاني : قول الرجل إن شئت .
وأما الجوابان فأحدهما قول الرجل : أنت طالق على ألف .
والثاني : قول المرأة : إن شئت ، فإذا بدأت المرأة بالطلب فقالت : طلقني على ألف درهم ، فإن عجل جوابها في الحال فقال : أنت طالق على ألف ، تم الخلع بسؤال واحد وجواب واحد ، وصار سؤالها طلبا وجوابه إيجابا ، فتم الخلع ، ولم تحتج المرأة إلى القبول بعد الإيجاب ، وإن لم يتعجل طلاق الرجل لها حتى تراخى خرج طلاقه عن حكم الإيجاب وصار بدلا وكأنه ابتدأها من غير طلب منها فقال لها : أنت طالق على ألف فلا يتم الخلع بعد بذله حتى تقول الزوجة في الحال : قد قبلت ، فيتم الخلع بالبذل والقبول ، لأن تراخي جواب الزوج عن طلب الزوجة يخرجه من حكم الإيجاب المستحق على الفور بعد الطلب ، ويجعله حكم البذل المستبدأ .
فأما إن قيد الزوج جوابه بشرط وهي مسألة الكتاب فقال عقيب قولها : طلقني على ألف : أنت طالق على ألف إن شئت ، فتمام الخلع أن يوجد منها شرط الطلاق ، فتقول : قد شئت ، ولا يمنع وقوع الخلع بهذا الشرط ، وإن كان من عقود المعاوضات تغليبا لحكم الطلاق المعلق بالصفات وبالشروط ، وإذا كان كذلك فمشيئتها وإن كانت بالقلب فلا تعلم إلا بقولها : قد شئت ، فإذا قالت : قد شئت ، صار القول مشيئة منها ، وإن كان اختيارا عنها ، ومن شروط المشيئة أن تكون على الفور ، فإنها لا تصير قبولا [ ص: 40 ] لبذل ، وقد قال الشافعي : " فلها المشيئة في وقت الخيار " فاختلف أصحابنا في معنى قوله وقت الخيار على وجهين :
أحدهما : وهو قول البصريين أنه أراد خيار القبول بعد البذل ، فعلى هذا من صحة مشيئتها أن تكون على الفور ، من غير مهلة ، كما يكون قبول البذل على الفور من غير مهلة .
والوجه الثاني : وهو قول البغداديين أنه أراد خيار الجواب بعد السؤال وهو أن تشاء في المجلس قبل تطاول الزمان وبعده ، وقبل أخذها في غيره وإن كان بينهما مهلة يسيرة ، كما يكون في العادة جوابا للسؤال ، وعلى كلا الوجهين إن تراخى زمان مشيئتها لم يصح .
وقال أبو حنيفة : خيارها في المشيئة ممتد على التراخي .
وأصله اختلافنا وإياه إذا قال لها : اختاري نفسك ، فعنده أن خيارها ممتد ، وعندنا أن خيارها على الفور والكلام معه يأتي .