فصل : لم يخل اختلافهما من ثلاثة أقسام : فإذا ثبت أنهما يتحالفان مع اختلاف
أحدها : أن يختلفا في العوض ويتفقا في عدد الطلاق ، واختلافهما في العوض قد يكون تارة في الجنس كقول الزوج : خالعتك على مائة دينار ، وتقول الزوجة : على مائة درهم .
ويكون تارة في المقدار فيقول الزوج : على ألف درهم ، وتقول الزوجة : على مائة درهم .
ويكون تارة في الصفة فيقول الزوج : على ألف درهم بيض ، وتقول الزوجة : على ألف درهم سود .
ويكون تارة في الأجل فيقول الزوج : على ألف حالة ، وتقول الزوجة على ألف مؤجلة ، أو يقول الزوج على ألف إلى شهر ، وتقول الزوجة : على ألف إلى شهرين . فإنهما يتحالفان في هذا الاختلاف كله إذا عدما البينة فيهم والبينة شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين ، لأنها لإثبات مال محض ، فإذا تحالفا مع عدم البينة فهو كتحالفهما في اختلافهما في المبيع ، وكاختلافهما في الصداق ، فيكون صفة التحالف على ما تقدم شرحه ، فإذا تحالفا فالطلاق واقع وهو لا يرتفع بعد وقوع التحالف ، فيصير كتحالفهما في البيع بعد تلف المبيع الموجب للرجوع بقيمة المبيع ، كذلك هاهنا يوجب الرجوع بقيمة البضع ، وهو مهر المثل قولا واحدا ، وسواء كان مهر المثل أقل مما أقرت به الزوجة أو أكثر مما ادعاه الزوج ، لأنه قيمة متلف قد سقط معه المسمى ، فلم يعتبر فيه القلة ولا الكثرة .
والقسم الثاني : أن . يختلفا في عدد الطلاق ، ويتفقا على مقدار العوض
فيقول الزوج : خالعتك على طلقة بألف ، وتقول الزوجة : خالعتك على ثلاث [ ص: 88 ] طلقات بألف ، فإنما يتحالفان أيضا كما يتحالف المتبايعان إذا اختلفا في قدر الثمن فإذا تحالفا لم يلزم الزوج من الطلاق إلا ما أقر به من الواحدة وله فيها مهر المثل ، فإن أقام أحدهما بينة على ما ادعاه من عدد الطلاق سمع فيها شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين لأنهما لاستحقاق المال بالطلاق ، ولو قال الزوج : خالعتك على ثلاث طلقات بألف ، وقالت الزوجة : بل على طلقة بألف فلا تحالف بينهما لحصول ما ادعت وزيادة .
والقسم الثالث : أن فيقول الزوج : خالعتك على طلقة بألف ، وتقول الزوجة : خالعتني على ثلاث بمائة ، فإنهما يتحالفان أيضا ، ولا يلزم الزوج من الطلاق إلا ما اعترف به ، وله مهر المثل قليلا كان أو كثيرا ، ولكن لو قال الزوج : خالعتك على ثلاث بمائة ، وقالت الزوجة : خالعتني على واحدة بألف ، فلا تحالف بينهما ، لأنه قد زادها على ما ذكرت من الطلاق ، ونقصها فيما اعترفت به من العوض . يختلفا في قدر العوض ، وعدد الطلاق
فلو حلف أحدهما عند وجوب التحالف بالاختلاف ونكل الآخر قضي بقول الحالف منهما على الناكل .
قال الشافعي رحمه الله : " ولو قال طلقتك بألف وقالت بل على غير شيء فهو مقر بطلاق لا يملك فيه الرجعة فيلزمه وهو مدعي ما لا يملكه بدعواه " .
قال الماوردي : قد مضى الكلام إذا اتفقا على أصل الخلع واختلفا في صفته أنهما يتحالفان .
فأما إذا فلا تحالف فيه ، ويكون القول قول منكره مع يمينه ، كما لو اختلفا في أصل البيع فادعاه أحدهما وأنكره الآخر لم يتحالفا ، وكان القول فيه قول المنكر مع يمينه ، كذلك هاهنا ، لأنه قد تعين أحدهما بالدعوى ، وتعين الآخر بالإنكار ، وإذا كان كذلك لم يخل اختلافهما في أصل الخلع من أحد أمرين : إما أن يدعيه الزوج ، وتنكره الزوجة أو تدعيه الزوجة ، وينكره الزوج . اختلفا في أصل الخلع ، فادعاه أحدهما ، وأنكره الآخر ،
فإن ادعاه الزوج وأنكرته الزوجة فصورته أن يقول الزوج : قد طلقتك واحدة على ألف درهم في ذمتك ، أو على عبدك هذا ، فتقول : بل طلقتني متبرعا بغير بذل ، فإن كان للزوج بينة سمعت هي وشاهدان ، أو شاهد وامرأتان ، أو شاهد ويمين ، لأنها بينة إثبات مال ، وإن لم يكن له بينة كان القول قول الزوجة مع يمينها ، لأنها منكرة ، ولا شيء عليها ، إذا حلفت والطلاق واقع بائنا لا رجعة له فيه لاعترافه بسقوط رجعته ، ولا شيء له عليها . [ ص: 89 ] فإن قيل : فهلا كان مانعا من وقوع الطلاق عليها ، كما كان إنكار المشتري للشراء مانعا من ثبوت الملك له ، والبائع مقر له بالملك ، كما أن الزوج مقر لها بالطلاق . إنكار الزوجة للخلع
قيل : لأن للزوج أن ينفرد بوقوع الطلاق فلزمه الطلاق بإقراره ، وليس للبائع أن ينفرد بتمليك المشتري ، فلم يلزمه التمليك بإقراره ، فلو عادت الزوجة بعد الإنكار واليمين فاعترفت للزوج بما ادعاه من العوض لزمها دفعه إليه ، ولو عاد الزوج فصدقها على أنه لم يكن خالعها ولا طلقها ، لم يقبل قوله في رفع الطلاق ، ولا في سقوط الرجعة ، لأن من أقر بالتحريم قبل منه ، ومن رجع عنه لم يقبل منه .