مسألة : قال  الشافعي      : " ولو  قال أنت علي حرام يريد تحريمها بلا طلاق   فعليه كفارة يمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم جاريته فأمر بكفارة يمين ( قال  الشافعي      ) رحمه الله لأنهما تحريم فرجين حلين بما لم يحرما به " .  
قال  الماوردي      : وهذا كما قال . إذا قال الرجل لزوجته : أنت علي حرام ، فإن أراد به الطلاق ، كان طلاقا يقع من عدده ما نواه ، من واحدة أو اثنتين أو ثلاث ، وإن لم ينو عددا ، كانت واحدة رجعية ، وإن أراد به الظهار كان ظهارا ، وإن أراد به الإيلاء      [ ص: 183 ] لم يكن إيلاء ، لأن الإيلاء يمين لا ينعقد بالكناية وإن أراد به تحريم وطئها لم يحرم ، ولزمه كفارة يمين ، وإن لم يكن له إرادة لم يتعلق به طلاق ولا ظهار ولا تحريم ، وهل تجب به كفارة يمين أم لا ؟ على قولين ذكرهما في " الإملاء " . ولو قال لأمته : أنت علي حرام ، فإن أراد به عتقها ، عتقت وإن أراد تحريم وطئها لم تحرم وكفر كفارة يمين ، وإن لم يكن أراد لزمته كفارة يمين قولا واحدا .  
ومن أصحابنا من قال على قولين كالحرة ، ومنهم من أخرج الحرة والأمة في وجوب الكفارة عند فقد الإرادة على ثلاثة أقاويل :  
أحدها : تجب في الحرة والأمة .  
والثاني : لا تجب في الحرة ولا في الأمة .  
والثالث : تجب في الأمة ، ولا تجب في الحرة ، لأن التحريم في الأمة أصل ، وفي الحرة فرع ولا ينعقد به في الأحوال كلها يمين ، هذا مذهبنا .  
وقد اختلف الصحابة ثم التابعون - رضي الله عنهم - في  لفظ التحريم الذي يوجب إذا فقدت فيه الإرادة   على ثمانية أقاويل :  
أحدها : ما حكي عن  أبي بكر      - رضي الله عنه - أنها يمين يجب بها إذا حنث كفارة يمين ، وبه قالت  عائشة  والأوزاعي      .  
والثاني : ما حكي عن  عمر      - رضي الله عنه - أنها طلقة رجعية ، وبه قال  الزهري      .  
والثالث : ما حكي عن  عثمان      - رضي الله عنه - أنه يكون ظهارا تجب به كفارة الظهار وهو إحدى الروايتين عن  ابن عباس ،   وبه قال :  سعيد بن جبير   وأحمد بن حنبل .   
والرابع : ما روي عن  علي      - رضي الله عنه - أنه يكون طلاقا لا تحل منه إلا بعد زوج ، وبه قال  زيد بن ثابت   وأبو هريرة ،   وابن أبي ليلى   ومالك      .  
والخامس : ما حكي عن  ابن مسعود ،   وابن عمر ،   أنه تجب به كفارة يمين ، وهو إحدى الروايتين عن  ابن عباس   وأحد قولي  الشافعي ،   وبه قال  إسحاق بن راهويه      .  
والسادس : ما حكي عن  أبي سلمة بن عبد الرحمن ،   ومسروق   أنه لا شيء فيه .  
قال  أبو سلمة      : ما أبالي حرمتها أو حرمت ماء البئر ، وقال  مسروق      : ما أبالي حرمتها أو حرمت قصعة ثريد ، وبه قال  الشعبي ،   وهو أحد قولي  الشافعي      .  
والسابع : ما حكي عن  النخعي   أنها طلقة بائن ، وبه قال  الحكم بن عيينة ،   وحماد بن أبي سليمان   وسفيان الثوري      .  
 [ ص: 184 ] والثامن : ما حكي عن  أبي حنيفة ،   أنه يكون إيلاء ، يؤجل فيه أربعة أشهر ، فإن وطئ فعليه كفارة يمين ، وإن لم يطأ حتى مضت أربعة أشهر طلقت طلقة بائنة ، فيصير قوله موافقا لقول  أبي بكر      - رضي الله عنه - أنها يمين ، ثم يزيد عليه بما يعلق عليها من حكم الإيلاء ، ويقول إنه لو حرم طعامه أو ماله على نفسه كان يمينا يلزمه بها كفارة يمين ولا يلزمه عند  الشافعي ،   بتحريم طعامه وماله كفارة .  
واستدل  أبو حنيفة   على أن التحريم يمين يوجب ما ذكره من الإيلاء والكفارة بقوله تعالى :  ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم      [ التحريم : 1 ، 2 ] . فكان استدلالا بذلك من وجهين :  
أحدهما : أن الذي حرمه على نفسه مختلف فيه ، فحكى  عروة   وابن أبي مليكة ،   أنه حرم العسل على نفسه لأنه كان يشربه عند بعض نسائه ، فقالت الباقيات : نجد منك ريح المعافير ، والمعافير صمغ العرفط ، لأن من النحل ما يكون يرعاه ، فيظهر فيه ريحه ، وكان يكره ريحه ، فحرمه على نفسه ثم كفر .  
وحكى  الحسن   وقتادة ،   أنه حرم  مارية  على نفسه ، لأنه كان خلا بها في منزل  حفصة ،  فغارت فحرمها ثم كفر ، فدل على وجوب الكفارة في الإماء والطعام ، وكفارة اليمين تجب في الإماء .  
والثاني : أن الله تعالى قال :  قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم   فدل بهذا النص على أن التحريم على يمين ، وبما روى  ابن عباس   عن  عمر بن الخطاب      - رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  الحرام يمين تكفر  وهذا نص .  
ولأن ما أوجب كفارة اليمين في الزوجة والأمة ، كانت يمينا توجب الكفارة في الطعام والمال كالحلف بالله تعالى .  
ودليلنا : قول الله تعالى :  ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك   فأنكر الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم ما أحله له ، فدل على أن التحريم لم يقع فبطل به قول من جعله طلاقا وظهارا ، وقوله تعالى :  قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم   دليل على أنه حرم ما أحل الله له ، بيمين حلف بها ، فعوتب في التحريم ، وأمر بالكفارة في اليمين ، ولم يكن التحريم يمينا ، لأن اليمين إنما يكون خبرا عن ماض ووعدا بمستقبل ، فلم يجز أن يكون يمينا ، ويدل على ما قلناه ما روي عن  عائشة     - رضي الله عنها - قالت :  آلى رسول الله من نسائه شهرا ، وحرم جاريته يوما بيمين ، وكفر عن      [ ص: 185 ] تحريمه     . فبطل بهذا أن يكون التحريم يمينا ، أو يصير مؤليا ، وأخبرت أنه كفر عن تحريم الجارية دون العسل ، ويدل عليه من طريق الاعتبار ، أن كل لفظ عربي عن اسم لله تعالى وصفته لم تنعقد به اليمين ، قياسا على كنايات الطلاق والعتاق وسائر الكلام .  
فأما الجواب عن الآية فهو ما قدمناه من الاستدلال بها ، وقد روى  الحسن   وقتادة   والشعبي   أنه حرم  مارية  على نفسه بيمين حلف بها .  
وأما حديث  ابن عباس   عن  عمر ،   فقد رواه  عبد الله بن محرز   عن  قتادة   عن  سعيد بن جبير   عن  ابن عباس ،   وقد ذكر  الدارقطني   أن  ابن محرز   ضعيف ، ولم يروه عن  قتادة   على أنه يحمل قوله : الحرام يمين تكفر ، أي في الحرام كفارة يمين ، وأما القياس بالمعنى في الأصل أنه خالف الله تعالى فانعقدت به اليمين .  
				
						
						
