مسألة : قال الشافعي : " فإن فهو جماع شبهة ويعزران إن كانا عالمين ولها صداق مثلها وعليها العدة ولو كانت جامعها ينوي الرجعة أو لا ينويها فهي رجعة وإن كانت بعدها فليست برجعة وقد انقضت من يوم طلقها العدة ولا تحل لغيره حتى تنقضي عدتها من يوم مسها " . اعتدت بحيضتين ثم أصابها ثم تكلم بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة
قال الماوردي : قد ذكرنا أن الوطء لا يكون رجعة ، وقول الشافعي : لو أراد به كلمها ينوي الرجعة ، مالكا ، وإن لم ينو بها أو ينو بها أراد به أبا حنيفة ، وقد مضى الكلام عليهما فإذا فهو وطء شبهة ، لا اختلاف في [ ص: 314 ] إباحته ، والكلام فيه يشتمل على خمسة فصول في الحد والتعزير والمهر والعدة والولد فأما الحد فلا يجب لأمرين : وطئها في العدة قبل الرجعة ،
أحدهما : أنه وطء مختلف في إباحته ، فأشبه الوطء فيما اختلف فيه من نكاح المتعة والشغار ، والنكاح بغير ولي .
والثاني : أن الرجعية زوجة لتوارثهما وإن حرم وطؤها كالمحرمة والحائض .
وأما التعزير فإن اعتقد إباحته أو جهل تحريمه فلا تعزير عليهما : لأنه لما كانت الشبهة مسقطة للحد فأولى أن تسقط التعزير ، وإن اعتقدا تحريمه ولم يجهلاه عزرا فإن اعتقد أحدهما تحريمه وجهله الآخر عزر العالم منهما دون الجاهل .
وأما المهر فواجب عليه بهذا الوطء ، لأنها وإن كانت في حكم الزوجات فهي جارية في البينونة فأشبه وطء زوجته المرتدة في عدتها ، ووطء من أسلم عن دينه في عدتها يلزمه مهر المثل بوطئها : لأنهما وطئا من هي جارية في فسخ ، فإذا وجب عليه المهر بوطئه لم يخل حاله أن يراجع في العدة أو لا يراجع ، فإن لم يراجع استقر عليه وجوب المهر ، وإن راجع فالذي نص عليه الشافعي أن المهر لا يسقط بالرجعة وقال في وطء المرتدة والحربية ، أن المهر يسقط بالإسلام ، فاختلف أصحابنا فكان أبو سعيد الإصطخري ينقل جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى ويخرجها على قولين :
أحدهما : أن المهر يسقط بالرجعة ، وبإسلام المرتدة والحربية ، لأنها بالرجعة والإسلام تكون معه بالنكاح الأول فلا يجب فيه مهران .
والقول الثاني : أن المهر لا يسقط بالرجعة ولا بإسلام المرتدة ولا الحربية : لأنه قد وجب بالوطء فلم يسقط معه الوجوب كما لو لم يرجع ولم يسلم .
وقال أبو إسحاق المروزي وأكثر أصحابنا : جواب كل واحدة من المسألتين على ظاهره فلا يسقط وطء المطلقة بالرجعة ، ويسقط وطء المرتدة والحربية بالإسلام والفرق بينهما أن الرجعة لا ترفع ما وقع من الطلاق ولأنها تكون معه على ما بقي من عدد الطلاق وليس كذلك الإسلام : لأنه يرفع حكم الردة والشرك ، ويكون معه بعدد الطلاق الذي ملكه بالنكاح ، فصار الطلاق خارما للنكاح ، والردة لم تخرمه .
وأما العدة فواجبة بهذا الوطء : لأنه وطء شبهة فاشتبه وطء الأجنبية بشبهة ، وعليها أن تستأنف ثلاثة أقراء بعد هذا الوطء ، إن كانت من ذوات الأقراء ويكون الباقي من عدة الطلاق نائيا عن العدة ، وما زاد عليه مختصا بعدة الوطء .
مثاله أن يكون قد فتأتي بثلاثة أقراء منها قرء عن عدة الطلاق والوطء : لأنهما في حق شخص واحد فتداخلتا ، وإنما لا [ ص: 315 ] تتداخل العدتان إذا كانتا في حق شخصين ، ويكون القرءان الباقيان مختصين بعدة الوطء دون الطلاق وله أن يراجعها فيما بقي من عدة الطلاق وليس له أن يراجعها من عدة الوطء : لأنها قد بانت بانقضاء عدة الطلاق . وطئها بعد قرأين من عدتها ، وبقي منها قرء
لكن له أن يتزوجها فيما بقي من عدة الوطء ، وليس ذلك لغيره إلا بعد انقضائها لأن العدة تجب عليها لحفظ ماء مستحق ، فإذا تزوجها في العدة كان ماؤه محفوظا فجاز ، وإذا تزوجها غيره كان مضاعا فلم يجز . والرجعة لا تصح من بائن
وأما الولد فلا حق له به : لأنها فراش له بالعقد ، وفراش بما استحدث من وطء الشبهة فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من الوطء انقضت به عدة الطلاق ، وكان له الرجعة ما لم تضع ، فلم تنتقض به عدة الوطء ، واستقبلت جميع أقرائها بعد الوضع لأن ما تقدم من أقرائها كان قبل الوطء ، وإن وضعته لستة أشهر فصاعدا من وقت الوطء انقضت به العدتان معا ، وكان على رجعيته ما لم تضع سواء حاضت على الحمل أو لم تحض : لأن حيضها على الحمل لا تنقضي به العدة ، ولا يعتد به من الأقراء وإن أجري عليه حكم الحيض .