الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما مالك فاستدل على أن العود هو العزم على الوطء بقوله تعالى : ثم يعودون لما قالوا وثم موضوعة في اللغة للمهلة والتراخي فأوجبت أن يكون بين الظهار والعود زمان ليس بعود فكان حمل العود على العزم الذي بينه وبين الظهار مهلة ، ولما روي أن خولة حين شكت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أوسا ظاهر منها وقد عزم على وطئها فأوجب الكفارة عليه فدل على أن العزم على الوطء هو العود ، ولأنه بالظهار عازم على تحريم الوطء ، فاقتضى أن يكون العود فيه العزم على فعل الوطء لأن العود هو الرجوع عن الشيء إلى ضده، والدليل عليه قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا والعود إما أن يكون فعلا عندنا أو قولا عند غيرنا ، وليس العزم قولا ولا فعلا فلم يجز أن يكون عودا .

                                                                                                                                            ولأن أوس بن الصامت ظاهر من زوجته خولة فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكفارة ولم يسله عن عزمه على الوطء ولو كان العزم شرطا لسأله :

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد روينا أن خولة أخبرته أنه عزم على وطئها فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن هذه الرواية ما أثبتها أحد من الرواة ولا ما أفصحت به من الشكوى ومضى هذا الذكر .

                                                                                                                                            والثاني : أن الكفارة واجبة على أوس دونها ولو كان وجوبها متعلقا بالعزم لكان هو مسؤولا عنها، ولما اكتفى بقولها دونه ، ولأنه أمسكها زوجة بعد الظهار مدة يقدر فيها على الطلاق فوجب أن تلزمه الكفارة كالعازم على الوطء ، ولأنها كفارة تجب بلفظ وشرط فوجب أن يكون الشرط مخالفة ذلك اللفظ كالأيمان ، ولأن العزم وحديث النفس معفو عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قوله ثم يعودون لما قالوا وأن ذلك وجب للتراخي والمهلة فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ثم قد تكون بمعنى الواو كقوله تعالى : ثم الله شهيد على ما يفعلون [ يونس : 46 ] ثم تاب عليهم ليتوبوا [ التوبة : 118 ] ثم كان من الذين آمنوا [ البلد : 17 ] لأنها من حروف الصفات وهي تتعاقب .

                                                                                                                                            والثاني : أننا نستعملها على الحقيقة في التراخي والمهلة لأن عقد النكاح أباح [ ص: 448 ] الإمساك والوطء، والظهار حرمهما فالعود هو الرجوع إلى إباحتها فصار متراخيا عن الأول .

                                                                                                                                            وأما الخبر : فقد مضى الجواب عنه . وأما الجواب عن قوله : أنه بالظهار هو عازم على تحريم الوطء، وهو أنه بالظهار محرم وليس بعازم على التحريم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية