: الكتاب ، والسنة ، والإجماع . والأصل فيه
فأما الكتاب فقوله تعالى : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين [ النور : 6 ، 7 ] فبين بهذه الآية لعان الزوج ، ثم بين بعدها لعان [ ص: 4 ] الزوجة قال : ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين .
فقوله : والذين يرمون أزواجهم يعني بالزنا ، فكان ذلك مضمرا دل عليه المظهر .
وقوله : ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم أي : ولم يكن لهم شهداء يشهدون لهم ؛ لأن الإنسان لا يكون شاهدا لنفسه .
وقوله : فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين أي : فيمين أحدهم أربع أيمان بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا . فعبر عن اليمين بالشهادة .
وقال أبو حنيفة : هي شهادة محضة اعتبارا بحقيقة اللفظ ، ولأن العدد فيها موافق لعدد الشهود في الزنا ، ولذلك منع أبو حنيفة من لعان الكافر والمملوك ، لرد شهادتهما ، وهذا تأويل فاسد ؛ لأن شهادة الإنسان لنفسه مردودة ، ويمينه لنفسه مقبولة ، والعرب قد تعبر عن اليمين بالشهادة . قال قيس بن الملوح :
فأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا
أي أحلف بالله ، وهذه مسألة يأتي الكلام فيها مع أبي حنيفة .
وأما السنة : فقد كان ذلك في قصتين ، إحداهما في عويمر العجلاني ، والثانية في هلال بن أمية ، فأما قصة عويمر العجلاني فقد رواها الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري . ورواها الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد : عويمرا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا ، فأمرهما بالملاعنة فلاعنها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انظروا ، فإن جاءت به أدعج العينين ، عظيم الإليتين ، خدلج الساقين ، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها . فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تصديق عويمر ، وكان بعد ينسب إلى أمه . أن
[ ص: 5 ] وقوله : وحرة : هي دويبة .
وقال سعيد بن جبير : ولقد صار أميرا بمصر وإنه ينسب إلى غير أبيه .
وأما قصة هلال بن أمية : فقد رواها هشام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : البينة أو حد في ظهرك ، فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا الرجل على امرأته ينطلق يلتمس البينة ؟ قال : فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : البينة وإلا فحد في ظهرك ، قال : فقال هلال : والذي بعثك بالحق لينزلن الله في أمري ما يبرئ به ظهري من الحد ، قال : فنزل جبرائيل فأنزل عليه : والذين يرمون أزواجهم حتى بلغ : والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فأرسل رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - إليهما فجاءا ، فقام هلال بن أمية فشهد والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب ؟ فقامت فشهدت . فلما كانت عند الخامسة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أوقفوها فإنها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت ، ففرق بينهما . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الإليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ، فجاءت به كذلك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن . أن
فهاتان القصتان وردتا في اللعان ، فذهب الأكثرون إلى أن قصة العجلاني أسبق من قصة هلال بن أمية .
وقالت طائفة : إن قصة هلال بن أمية أسبق من قصة العجلاني ، والنقل فيهما مشتبه مختلف ، والله أعلم بصواب ذلك .