مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ومعنى قولهما فرقة بلا طلاق الزوج ( قال ) : وتفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - غير فرقة الزوج إنما هو تفريق حكم " .
قال الماوردي : قصد الشافعي بهذا الكلام الرد على أهل العراق في مسألتين :
إحداهما : ما ذهب إليه أبو حنيفة بأن تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المتلاعنين كان إيقاعا بحكم ، فلذلك لم يوقع الفرقة بينهما بمجرد اللعان حتى يوقعها الحاكم بينهما ، وقد مضى الكلام فيها معه .
وقلنا : إن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - كان تنفيذا وإخبارا بوقوع الفرقة .
والمسألة الثانية : بيان . وهي عند حكم الفرقة الواقعة بين المتلاعنين الشافعي فسخ وليست بطلاق ولذلك تعلق بها تحريم التأبيد .
وبه قال أبو يوسف وزفر والحسن بن زياد وهو إحدى الروايتين عن مالك .
وقال أبو حنيفة ومحمد : هي فرقة طلاق بائن ، ولذلك لم يتأبد تحريمها عنده ، وأحلها له إن أكذب نفسه .
وفي هذا القول تناقض ، لأن الفرقة لا تقع عنده إلا بالحاكم ، دون الزوج ، والطلاق يملكه الزوج دون الحاكم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " . فتناقص في قوله ، فإن قيل : فقد فعلتم مثل هذه المناقضة لأنكم جعلتم الفرقة واقعة بالزوج دون الحاكم ، والزوج لا يقع منه إلا الطلاق ، قيل : قد يصح من الزوج الطلاق بغير سبب ، والفسخ إذا كان عن سبب ، كالفسخ بالعيوب ، وهذه الفرقة لسبب فكانت فسخا ولم تكن طلاقا ، فلم يكن في هذا القول تناقض ، لأن الطلاق يقع بما يختص من ألفاظه من صريح وكناية ، وهذه الفرقة لا تقع بصريح الطلاق ولا كنايته ، [ ص: 55 ] ولا يكون اللعان من غير الملتعن صريحا في الطلاق ولا كناية ، ولأن لفرقة الطلاق عددا ليس في فرقة اللعان وحكما يخالف حكم اللعان ، لأنها لا تحل في الطلاق الثلاث إلا بعد زوج آخر وتحل فيما دونه من غير زوج ، وهو يقول في فرقة اللعان : إنها لا تحل له إلا أن يكذب نفسه ، فسلبه حكم كل واحد من الطلاقين واعتبر فيه من التكذيب ما لا يعتبر في واحد من الطلاقين ، فامتنع أن يكون اللعان طلاقا ، كما امتنع أن يكون الطلاق لعانا .