[ ص: 68 ] مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : ورمى العجلاني امرأته بابن عمه أو بابن عمها شريك بن السحماء وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه عليها ، وقال في الطلاق من أحكام القرآن : فالتعن ولم يحضر - صلى الله عليه وسلم - المرمي بالمرأة فاستدللنا على أن الزوج إذا التعن لم يكن على الزوج للذي قذفه بامرأته حد ولو كان له لأخذه له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولبعث إلى المرمي فسأله ، فإن أقر حد ، وإن أنكر حد له الزوج . وقال في الإملاء على مسائل مالك : وسأل ، النبي - صلى الله عليه وسلم - شريكا فأنكر فلم يحلفه ولم يحده بالتعان غيره ولم يحد العجلاني القاذف له باسمه " .
قال الماوردي : أما رواية المزني هاهنا عن الشافعي : قال : رمى العجلاني امرأته بشريك بن السحماء ، فقد قال أبو حامد الإسفراييني : إن المزني غلط على الشافعي في هذا النقل وإن هلال بن أمية هو الذي قذف زوجته بشريك بن السحماء دون العجلاني ، وقد حكاه الشافعي في " أحكام القرآن " عن هلال بن أمية ، والمقصود بهذه الجملة شيئان :
أحدهما : أن سواء سماه في لعانه أو لم يسمه ، لأن الزوج إذا لاعن سقط عنه حد المقذوف بزوجته هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن السحماء ، ولم يسمه في لعانه فلم يحده له ، ولو وجب الحد عليه لأعلم شريكا به ليستوفيه إن شاء ، وهذا أحد القولين إذا لم يذكره في التعانه .
والقول الثاني : يحد ، ووجهه ما قدمناه وليس في ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إعلام شريك دليل على سقوط الحد ، لأن شريكا قد علم بالحال فأمسك ولم يطالب ، ولأن المدينة مع صغرها وقلة أهلها ، واشتهار لعان هلال بن أمية في قذفه بمحضر من جمهور الصحابة ، ولا يخفى على شريك وهو حاضر بالمدينة أنه مقصود بالقذف ، فإذا علم وأمسك لم يلزمه إعلامه ، ولا استيفاء الحد له .
فصل : أما المقصود الثاني بهذه الجملة ، فهو ما ظهر من اختلاف النقل فيها ، لأن الشافعي قال في كتاب الطلاق من أحكام القرآن : ولم يحضر رسول الله المرمي بالمرأة .
وقال في الإملاء على مسائل مالك : وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - شريكا فأنكر ، فصار ظاهر هذا النقل مختلفا ؛ لأنه حكى أن شريكا لم يحضر ثم إنه حضر وسئل ، وإثبات الشيء ونفيه متناف مستحيل .
وعن هذا جوابان :
[ ص: 69 ] أحدهما : أنه ليس في هذا النقل خلاف مستحيل ، لأن قوله : لم يحضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا - يعني وقت اللعان .
وقوله : وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكا ، يعني وقت وضع الولد على شبهه لقوة الشبهة في صحة قذفه فلم يمتنع ذلك ولم يستحل .
والجواب الثاني : أن الشافعي أخذ عن الواقدي أو من كتابه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحضر شريكا ولا سأله . فذكره الشافعي في " أحكام القرآن " وفرع عليه ، ثم سمع من غير الواقدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحضر شريكا ، أو حضر فسأله فأنكر فذكره في الإملاء على مسائل مالك وفرع عليه . ولم يرجع عما أخذه عن الواقدي إما لأنه لم يقطع بصحة أحد النقلين ، وإما لأن يبين حكم كل واحد من النقلين ، وإما لسهوه عن الأول لتشاغله بالمستقبل فكان هذا سبب ما اختلف فيه نقله والله أعلم .