مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو قال فهو قذف " . : زنى فرجك أو يدك أو رجلك
قال الماوردي : وهذه المسألة ذكرها المزني في مختصره ولم يذكرها في جامعه ، فجعل قوله لها : زنى فرجك أو يدك ، أو رجلك ، قذفا ولم يذكر الشافعي هذه المسألة إلا في القديم فقال : ولو قال : زنى فرجك فهو قاذف ، وإن قال : يدك أو [ ص: 130 ] رجلك ، فقد قال بعض الناس - يعني أبا حنيفة : في البدن وهو قاذف ، وفي اليد والرجل لا يكون قاذفا ، ولا في العين ، قال الشافعي : هذا كله ما عدا الفرج واحد ولم يصرح أنه واحد في القذف ، فلم يختلف أصحابنا أنه إذا قال : زنى فرجك ، أنه قاذف ، وإذا قال : زنت عينك ، لم يكن قاذفا ، واختلفوا فيما سوى ذلك من الأعضاء : هل يكون قاذفا بإضافة الزنا إليها أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة ، لا يكون قاذفا إذا قال : زنت يدك ، أو رجلك ، أو رأسك ، أو يدك ، وهو ظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - في القديم ، ونسبوا المزني إلى الخطأ في نقله ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ، ولأن بالفرج يكون الزنا بخلاف سائر الأعضاء . العينان تزنيان وزناهما النظر ، واليدان تزنيان وزناهما اللمس ، ويصدق ذلك كله أو يكذبه الفرج
والوجه الثاني : أنه يكون بجميع ذلك قاذفا كالفرج على ما نقله المزني كما يستوي جميعه في الطلاق .
والوجه الثالث : وهو الصحيح عندي ، وبه قال أبو العباس بن سريج أنه إذا قال : زنى بدنك كان قاذفا ، ولو : قال زنت يدك أو رجلك أو رأسك لم يكن قاذفا ؛ لأن البدن هو الجملة التي فيها الفرج ، فلم يجز أن يكون بالفرج قاذفا وبالبدن الذي منه الفرج ليس بقاذف ، فأما سائر الأعضاء من الرأس والبدن ، واليد والرجل ، فلا تختص بالزنا فلا يكون بها قاذفا كالعين ، فأما أبو حنيفة - رضي الله عنه - فإنه فرق فيها بين الأعضاء التي لا تبقى الحياة بانفصالها وبين ما تبقى الحياة بانفصالها فجعله قاذفا بقوله : زنى رأسك ولم يجعله قاذفا بقوله : زنت يدك أو رجلك ، وبناه على مذهبه في الطلاق الذي تقدم الكلام فيه ، والدليل على استواء حكم ما يحفظ الحياة وما لا يحفظها ، أن كل ما لو نسبه منها إلى نفسه لم يكن مقرا بالزنا لم يكن إذا نسبه إلى غيره قاذفا بالزنا ، كالعين طردا والفرج عكسا لاستواء الإقرار بالزنا والقذف به في الصريح والكناية .