مسألة : قال  الشافعي   ، رحمه الله : ويقتل الذابح دون الممسك كما يحد الزاني دون الممسك .  
 [ ص: 83 ] قال  الماوردي      : وصورتها في  رجل أمسك رجلا حتى قتله آخر   فعلى القاتل القود ، فأما الممسك فإن كان القاتل يقدر على القتل من غير إمساك ، أو كان المقتول يقدر على الهرب بعد الإمساك فلا قود على الممسك بالإجماع .  
وإن كان القاتل لا يقدر على القتل إلا بالإمساك ، وكان المقتول لا يقدر على الهرب بعد الإمساك فقد اختلف الفقهاء في الممسك ، فمذهب  الشافعي   وأبي حنيفة      : أنه لا قود عليه ولا دية ، ويعزر أدبا .  
وقال  إبراهيم النخعي   وربيعة بن أبي عبد الرحمن   بحبس الممسك حتى يموت  ، لأنه أمسك المقتول حتى مات ، فوجب أن يجازى بمثله ، فيحبس حتى يموت .  
وقال  مالك      : يقتل الممسك قودا كما يقتل القاتل إلا أن يمسك مازحا ملاعبا فلا يقاد استدلالا بقول الله تعالى  فقد جعلنا لوليه سلطانا      [ الإسراء : 33 ] .  
وبما روي  عن  عمر بن الخطاب   رضي الله تعالى عنه أنه قتل جماعة بواحد     .  
وقال : لو تمالأ عليه أهل  صنعاء   لقتلتهم به أي لو تعاونوا عليه .  
والممسك قد عاون على القتل ولأنهما تعاونا في قتله ، فوجب أن يستويا في القود ، كما لو اشتركا في قتله ، ولأن ممسك الصيد لما جرى عليه حكم القاتل في وجوب الجزاء ، ولو أمسكه أحد المجرمين وقتله الآخر اشتركا في الجزاء ، وجب أن يكون ممسك المقتول يجري عليه حكم القاتل في وجوب القود ، ويكونا فيه سواء ، ولأن الإمساك سبب أفضى إلى القتل فلم يمنع أن يجري عليه حكم المباشرة للقتل كالشهود إذا شهدوا عند الحاكم على رجل بالقتل فقتل ، ثم رجعوا قتلوا قودا بالشهادة ، وإن كانت سببا كذلك الممسك .  
ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  يقتل القاتل ، ويصبر الصابر     .  
قال  أبو عبيدة      : يعني يحبس لأن المصبور هو المحبوس ، يريد بالحبس التأديب لا كما تأوله ربيعة على الحبس إلى الموت ، ولأن الإمساك سبب ، والقتل مباشرة ، فإذا اجتمعا ولم يكن في السبب إلجاء كالشهود سقط حكم السبب بوجود المباشرة ، كما  لو حفر رجل بئرا فدفع رجل فيها إنسانا فمات   كان القود على الدافع دون الحافر ، ولأن هذا القاتل قد يصل إلى القتل تارة بالإمساك وتارة بالحبس ، ثم ثبت أنه لو قتله بعد الحبس لم يقتل الحابس ، كذلك إذا قتله بعد الإمساك لم يقتل الممسك ، ولأن حكم الممسك مخالف لحكم المباشر في الزنا ، لأنه لو  أمسك امرأة حتى زنا بها رجل   ،      [ ص: 84 ] وجب الحد على الزاني دون الممسك . ووجب أن يكون حكم الممسك في القتل بمثابته في وجوب القود على القاتل دون الممسك . ولو جاز أن يساويه في القود جاز أن يساويه في الحد .  
ولأن الإمساك غير مضمون لو انفرد فكان أولى أن لا يضمن إذا تعقبه القتل .  
ولأن ما لا يضمن خطؤه لم يضمن عمده كالضرب بما لا يقتل .  
فأما الآية فقد قال  فلا يسرف في القتل       [ الإسراء : 33 ] والسرف أن يتجاوز القاتل إلى من ليس بقاتل .  
وقول  عمر   رضي الله تعالى عنه : لو تمالأ عليه أهل  صنعاء   لقتلتهم به     . محمول على اشتراكهم في قتله ، لأن المعاونة هي التساوي في الفعل ، وبه يجاب عن قياسهم على الاشتراك في القتل ، ثم المعنى في المشتركين في القتل أن كل واحد منهما يضمن إذا انفرد ، فضمن إذا شارك والممسك لا يضمن إذا انفرد فلم يضمن إذا تعقبه قاتل . وأما إمساك العبد فإنما يضمن به العبد ، لأنه مضمون باليد إذا انفردت ، والمقتول غير مضمون باليد ، وإنما يضمن بالجناية ، ولو كان الإمساك جاريا مجرى مباشرة القتل لوجب إذا أمسك المجوسي شاة فذبحها مسلم أن لا تؤكل ، كما لو اشترك في ذبحها مجوسي ومسلم ، وفي إجماعهم على جواز أكلها دليل على الفرق بين الممسك والمشارك .  
وما استدلوا به من الشاهدين فلا يصح لأنهما ألجأا الحاكم إلى القتل ، ولم يكن من الممسك إلجاء فافترقا .  
				
						
						
