فصل : وإن من آلة وأعوان وحمل سفينته ما تقله وتسيرها في وقت العادة ، فهاجت ريح عاصفة لم يقدروا معها على ضبط السفينتين حتى غرقتا وما فيهما من النفوس والأموال ، ففي وجوب الضمان قولان نص عليهما فيما نقله كان الملاحان غير مفرطين لقيام كل واحد منهما بما يحتاج إليه المزني في هذا الموضع :
[ ص: 333 ] أحدهما : عليه الضمان ، ونص عليه في " الإملاء " .
والقول الثاني : لا ضمان ، ونص عليه في الإجارات ، فإذا قيل بوجوب الضمان فدليله أنه لما كان اصطدام الفارسين موجبا للضمان وإن عجزا عن ضبط الفرسين وجب أن يضمن الملاحان وإن عجزا عن ضبط السفينتين ، فعلى هذا يكون على ما مضى من التفريط إلا في القود بأنه لا يجب بخروجه عن حكم الغير ، ويكون ديات النفوس مخففة على العاقلة ، لأنه خطأ محض . ضمان النفوس والأموال
وإذا قيل : بسقوط الضمان فدليله أن ما خرج عن التعدي والتفريط في الأمانات لم يضمن بالحوادث الطارقة كالودائع ، ولأن التلف لو كان بصاعقة لم يضمن كذلك بالريح العارضة ، وخالف اصطدام الفارسين ، لأن عنان الدابة بيد راكبها تتصرف على اختياره ، فإن قهرته فلتفريطه في آلة ضبطها ، والريح العارضة لا يقدر على دفعها ولا يجد سبيلا إلى ضبطها ، فافترقا ، فعلى هذا تكون النفوس هدرا .
فأما السفن فإن كانت ملكا أو مستأجرة لم يضمن ، وإن كانت مستعارة ضمن كل واحد منهما من الملاحين جميع قيمة سفينته التي استعارها ، لأن العارية مضمونة في الأصل بعدوان وغير عدوان .
وأما الأموال فإن كان معها أربابها لم يضمنها الملاحان ، وإن لم يكن معها أربابها لم يضمن إن كان منفردا كالأجير المنفرد ، وفي ضمانه إن كان مشتركا قولان كالأجير المشترك :
أحدهما : يضمن إذا قيل إن الأجير المشترك ضامن .
والثاني : لا يضمن إذا قيل إن الأجير المشترك ليس بضامن ، فإن كان أحد الملاحين منفردا والآخر مشتركا فلا ضمان على المنفرد ، وفي ضمان المشترك قولان ، ولو فرط أحد الملاحين ولم يفرط الآخر كان المفرط ضامنا ، وفي ضمان من لم يفرط قولان ، فإن غرقت إحدى السفينتين ولم تغرق الأخرى كان الحكم في ضمان التي غرقت كالحكم في ضمانها لو غرقا معا ، وإذا كان في السفينة مالكها وملاحها فإن كان مالكها هو المراعي لها والمدبر لسيرها كان الضمان إن وجب على المالك دون الملاح ، وإن كان الملاح هو المدبر لسيرها دون المالك فالضمان واجب على الملاح دون المالك .
فلو اختلف في التفريط الملاح والركاب فادعاه الركاب وأنكره الملاح فالقول فيه قول الملاح مع يمينه ، لأنه على أصل الأمانة إلا أن يجب عليه الضمان مع عدم التفريط فلا يكون لهذا الاختلاف تأثير إلا فيما وقع الفرق في صفة ضمانه بين التفريط وغيره .