فصل :
وإذ قد مضى صفة العمد بما يكون عمدا ، فالحالة الثانية أن يصفه بما لا يكون عمدا ، وله في صفة العمد بما ليس بعمد ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يصفه بما لا يكون عمدا ولا خطأ من القتل الذي لا يضمن بقود ولا [ ص: 37 ] دية : كمن دخل دار رجل فتعثر بحجر ، أو سقط في بئر ، أو سقط عليه جدار ، فالصفة قد برأت من الدعوى ، وسقطت القسامة فيها ، وبرأ المدعى عليه منها .
والحال الثانية : أن يصفه بعمد الخطأ ، كرجل ضرب رجلا بعصا ، يجوز أن تقتل ويجوز أن لا تقتل ، فهو عمد الخطأ : لأنه عامد في الفعل خاطئ في النفس .
فله أن يقسم على الصفة دون الدعوى ، ويحكم له بعمد الخطأ دون العمد المحض ، ولا يكون ما في الصفة من مخالفة الدعوى مانعا من القسامة : لأن الاختلاف بين الدعوى والصفة لاشتباه الحكم دون الفعل .
والحال الثالثة : أن يصفه بالخطأ المحض ، فقد بطل حكم الدعوى بالصفة وسقطت القسامة في العمد ، واختلف في سقوطها في الخطأ ، فنقل المزني : أنه لا يقسم . ونقل الربيع : أنه يقسم . فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النقلين على وجهين :
أحدهما : وهو طريقة البغداديين ، أن اختلافهما محمول على اختلاف قولين :
أحدهما : وهو ما نقله الربيع : أنه يقسم . وهو اختيار أبي إسحاق المروزي : لأن صفته أقل من دعواه فجاز أن يقسم على الأخف بضد دعوى الأغلظ .
والقول الثاني : وهو ما نقله المزني : أنه لا يقسم . وهو اختيار أبي علي بن أبي هريرة : لأن دية العمد في ماله ودية الخطأ على عاقلته ، فكان في الدعوى أبرأ للعاقلة ، وفي الصفة أبرأ للجاني ، فسقطت القسامة عليهما .
والوجه الثاني : وهو طريقة البصريين ، أنه ليس اختلاف النقل على اختلاف قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين . فنقل المزني أنه لا يقسم محمول على أنه إقسام على الدعوى ، ولم يرجع عنها إلى الصفة ، فلا يقسم على الدعوى لإبطالها بالصفة . ونقل الربيع أنه يقسم محمول على أنه رجع عن الدعوى إلى الصفة ، فيقسم على الصفة لرجوعه بها عن الدعوى التي هي أغلظ من الصفة ، والله أعلم .