مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا وجبت عليه كفارة القتل في الخطأ ، وفي قتل المؤمن في دار الحرب ، كانت الكفارة في العمد أولى . ( قال المزني ) رحمه الله : واحتج بأن الكفارة في قتل الصيد في الإحرام والحرم عمدا أو خطأ سواء ، إلا في المأثم ، فكذلك كفارة القتل عمدا أو خطأ سواء ، إلا في المأثم " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : . الكفارة تجب في قتل العمد والخطأ
وأوجبها أبو حنيفة ومالك في قتل الخطأ ، وأسقطاها في قتل العمد سواء وجب في القود أو لم يجب : استدلالا بقوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ، فجعل الخطأ شرطا في وجوب الكفارة ، فوجبت أن ينتفي عن العمد : لعدم الشرط ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : العمد قود فجعل موجب العمد استحقاق القود . فدل على أنه لا يجب في غير القود ، ولأنه سبب يوجب القتل فلم يوجب الكفارة كالزنى والردة ، ولأنه قتل عمد فلم تجب فيه الكفارة ، كالقصاص ، ولأن القصاص عقوبة على بدن ، والكفارة حق في مال فلم يجتمعا في القتل الواحد كالقصاص مع الدية .
ودليلنا : ما رواه واثلة بن الأسقع قال : وهو لا يستوجب النار إلا في العمد . أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا استوجب النار بالقتل ، فقال : أعتقوا عنه رقبة ، يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار
فإن قيل : فقد أمر بها غير القاتل ، فدل على أنها غير واجبة على القاتل . قلنا : الخطاب وإن توجه إلى السائل ، فالمراد به القاتل : لأنه أوجبها بالقتل . وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : يا رسول الله ، إني وأدت في الجاهلية . فقال : أعتق عن كل موؤود رقبة ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تحفر تحت الحامل إذا ضربها الطلق حفيرة ، يسقط فيها ولدها إذا وضعته ، فإن كان ذكرا أخرجوه منها ، وإن كان أنثى تركت في حفرتها ، وطم التراب عليها حتى تموت ، وهذا قتل عمد ، وقد أوجبت فيه الكفارة . [ ص: 68 ] ومن القياس : أنه قتل آدمي مضمون ، فوجب أن تستحق فيه الكفارة كالخطأ ، ولأن كجزاء الصيد ، ولأن كل كفارة وجبت بقتل الخطأ وجبت بقتل العمد ، كما قال تعالى : الكفارة إذا وجبت على الخاطئ مع عدم المأثم كان وجوبها على العامد مع المأثم حقا ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] ، فلما أوجب القضاء على المفطر معذورا بمرض أو سفر ، كان وجوبه على من أفطر عمدا بغير عذر أحق ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : من . نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : . القتل كفارة
والوجه الثاني : وهو الصحيح ، أن الكفارة على وجوبها لا تسقط بالقود : لأنها حق الله تعالى فلم تسقط بتأدية حق الآدمي ، كما لم تسقط بأداء الدية .