فصل :
فإذا ثبت جواز القتال ، فوجوبه معتبر بما أراده الطالب ، وذلك ينقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : أن ، فهذا القتال مباح ، والمطلوب مخير بين قتال الطالب وبين الاستسلام وتسليم ماله ، ولا يجب عليه أن يمنع منه . يريد مال المطلوب دون دمه وحريمه
والقسم الثاني : أن ، فواجب على المطلوب أن يقاتل عنها ويمنع . يريد الطالب حريم المطلوب لإتيان الفاحشة
والقسم الثالث : أن ، ففي وجوب قتاله ودفعه عن نفسه وجهان : يريد الطالب نفس المطلوب
[ ص: 141 ] أحدهما : يجب عليه أن يقاتل عنها ويدفع : لقوله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء : 29 ]
وقوله : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة [ البقرة : 195 ] .
كما يجب على المضطر من الجوع إحياء نفسه بأكل ما وجده من الطعام .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا يجب عليه القتال والدفع ، ويكون مخيرا بينه وبين الاستسلام ، طلبا لثواب الشهادة : لقوله تعالى : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك [ المائدة : 28 ] .
ولأن عثمان بن عفان رضي الله عنه حين أريدت نفسه منع عنه عبيده ، فكفهم ، وقال لهم : من أغمد سيفه فهو حر .
. وأتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت لو أن رجلا انغمس في العدو حتى قتل صابرا محتسبا ، أيحجزه عن الجنة شيء ؟ فقال : لا ، إلا الدين . فانغمس في العدو حتى قتل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراه ولا يمنعه
فأما . المضطر جوعا إذا وجد طعاما وهو يخاف التلف
فإن كان مالكا للطعام أو لم يكن مالكا له ، وكان قادرا على ثمنه ، فواجب عليه إحياء نفسه بأكله وجها واحدا ، بخلاف من أريد دمه في أحد الوجهين : لأن في القتل شهادة يرجو بها الثواب ، وليس في ترك الأكل شهادة يثاب عليها .
وإن كان الطعام لغيره وهو غير قادر على ثمنه ، ففي وجوب إحياء نفسه بأكله وجهان .
وهكذا لو وجد ميتة كان في وجوب أكلها وجهان :
أحدهما : يجب تغليبا لإحياء النفس .
والثاني وهو قول أبي إسحاق المروزي : يكون مخيرا فيه ، ولا يجب عليه لتنزيه نفسه عن نجاسة الميتة ، وإبراء ذمته من التزام ذنب لا يعذر عليه .