مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن لم يتب قتل ، امرأة كانت أو رجلا ، عبدا كان أو حرا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : ، وتقتل المرتدة كما يقتل المرتد . يستوي في القتل بالردة الحر والعبد ، والرجل والمرأة
وبه قال من الصحابة : أبو بكر وعلي .
ومن التابعين : الحسن ، والزهري .
ومن الفقهاء : مالك والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق .
وقال أبو حنيفة وأصحابه : تحبس المرتدة ولا تقتل ، إلا أن تكون أمة فلا تحبس عن سيدها .
استدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : . فكان على عمومه . أنه نهى عن قتل النساء والولدان
وبما روى عاصم بن أبي النجود ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 156 ] قال : لا تقتل المرأة إذا ارتدت . وهذا نص . ولأن من لم يقتل بالكفر الأصلي لم يقتل بالردة كالصبي .
ولأن كل حر لم يكن من أهل الجزية ، لم يقتل بالردة كالأطفال والمجانين .
ولأنها كافرة لا تقاتل ، فلم تقتل كالكافرة الأصلية .
ولأن المرأة محقونة الدم قبل الإسلام ، فلم يستبح دمها بالردة عن الإسلام ، لعودها بعده إلى ما كانت عليه قبله ، وبعكسها الرجل .
ودليلنا : عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : فإن قيل : المراد به الرجل : لقوله : من بدل دينه . ولو أراد المرأة لذكره بلفظ التأنيث ، فقال : من بدلت دينها . من بدل دينه فاقتلوه
قيل : لفظة " من " للعموم تستغرق الجنس ، فاشتملت على الرجال والنساء ، كما قال تعالى : ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة [ النساء : 124 ] الآية . ولأن رجلا لو قال : من دخل الدار فله درهم . استحقه من دخلها من ذكر أو أنثى .
وروى الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضوان الله عليها ، قالت : ارتدت امرأة يوم أحد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت .
وروى الزهري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر : أن امرأة من أهل المدينة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام ، فإن رجعت وإلا قتلت .
ورواه هشام بن الغاز ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : فعرض عليها الإسلام ، فأبت أن تسلم ، فقتلت وهذا نص . ولأنه كفر بعد إيمان ، فوجب أن تستحق به القتل كالرجل ، وهذه علة ورد النص بها في قوله صلى الله عليه وسلم : " . . . . " . [ ص: 157 ] فكانت أوكد من العلة المستنبطة ، وهكذا نستنبط من هذا النص علة أخرى ، فنقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان كالرجل . ومنه علة ثالثة : أن كل من قتل بزنا بعد إحصان ، قتل بكفر بعد إيمان كالرجل ، فيكون تعليل النص في الثلاثة مستمرا . كل من قتل بالنفس قودا ، قتل بالردة حدا
ولأنه حد يستباح به قتل الرجل ، فجاز أن يستباح به قتل المرأة كالزنا .
فأما الجواب عن نهيه عن قتل النساء والولدان :
فهو أن خروجه على سبب ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة في بعض غزواته ، فقال : لم قتلت وهي لا تقاتل ونهى عن قتل النساء والولدان .
فعلم أنه أراد به الحربيات .
فإن قيل : النهي عام فلم اقتصر به على سببه ؟
قيل : لما عارضه قوله : " " ولم يكن بد من تخصيص أحدهما بالآخر ، وجب تخصيص الوارد على سببه ، وحمل الآخر على عمومه : لأن السبب من إمارات التخصيص . من بدل دينه فاقتلوه
وأما الجواب عن حديث ابن عباس :
فهو أنه رواية عبد الله بن عيسى ، عن عفان ، عن شعبة ، عن عاصم بن أبي النجود .
قال الدارقطني : وعبد الله بن عيسى هذا كذاب يضع الأحاديث على الثقات .
وقد رواه سفيان ، عن أبي حنيفة ، عن عاصم ، موقوفا على ابن عباس .
وأنكره أبو بكر بن عياش على أبي حنيفة ، فسكت وتغير .
وأنكره سفيان بن عيينة وأحمد بن حنبل .
وما كان بهذا الضعف لم يجز أن يجعل في الدين أصلا .
وأما الجواب عن قياسهم على الصبي : فهو انتقاضه بالشيخ الهرم والأعمى والزمن فإنهم يقتلون بالردة ، ولا يقتلون بالكفر الأصلي ، والأصل غير مسلم : لأن الصبي لا تصح منه الردة . وأما جواب عن قياسهم على الكافرة الحربية فمنكسر بالأعمى والزمن لا يقتلون بالكفر الأصلي ويقتلون بالردة ، ثم المعنى في الحربية أنها مال مغنوم ، وليست المرتدة مالا . وأما الجواب عن استدلالهم بحقن دمها قبل الإسلام ، فكذلك بالردة بعد الإسلام .
[ ص: 158 ] فباطل بالأعمى والزمن والرهبان وأصحاب الصوامع ، دماؤهم محقونة قبل الإسلام ، ويقتلون بالردة عن الإسلام على أن الحربية لما جاز إقرارها على كفرها لم تقتل ، ولما لم يجز إقرار المرتدة على كفرها قتلت : لأن وقوع الفرق بينهما في الإقرار على الكفر يمنع من تساويهما في الحكم ، والله أعلم .